ومثل هذا من الألفاظ كثير تركته طلب الاختصار، والله أعلم، وبه التوفيق.
***
القول الحادي عشر
فيمن يجوز له أن يفتي، وضمان المفتي
والذي مضي عليه أئمة المسلمين، ما كان من الأحكام التي يجري بينهم، وكذلك ما كان من مسائل الحلال والحرام التي يقولون فيها بالرأي، والقياس فقد كانوا يقولون في ذلك، وكلهم علي الصواب في ذلك.
وإنما يجوز ذلك لمن كان عارفا بالكتاب، والسنة، وآثار المسلمين، واجتهد رأيه في رجاء التوفيق من الله، وإنما لا يسع القول بالرأي في الذي يوجد في كتاب الله، وسنة نبيه، فذلك الذي لا يسع فيه القول بالرأي في كتاب الله تعالي وسنة نبيه.
فمن قال: في الدين بالرأي، والقياس- فقد أخطأ، وضل عن سواء السبيل وذلك أن الدين قد سبق، وسبقت المعرفة فيه، وقامت الحجة علي من جهله.
وليس الدين بحادث مثل ما يحدث بين الناس من قبل أحكامهم في الطلاق، والعناق، والصلاة، والصيام، والحج، وأشباه ذلك.
ولو أن رجلا أفتي،[في] مسألة برأيه، فأحل، أو حرم، فبرئ أحدهما من الأخر علي ما خالفه- فهذا هو الدين، ويبرأ من هذا: الذي برئ، لأن السنة قد سبقت والآثار قد تقدمت بالقول بالرأي منهم في الحلال، والحرام.
ولم نفترق هذه الأمة علي الفتيا، وإنما تفرقت علي النحل بما يكون من أحكام الآخرة، وقد قال الله تعالي في الحكم بالرأي: " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم "، فأفتي كل واحد منهم برأيه، فقال الله تعالي مبينا ذلك: "ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما" فلم يبطل قول داود، ولا ذمة، ولا خطأه، وشبه هذا يطول به الكتاب.
Halaman 112