وَأَيْضًا: فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَشْرَفَ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهَمَّ الْمُطَالِبِ فِي الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهَا، وَبَيَانُ الرَّسُولِ لَهَا أَوْلَى مِنْ بَيَانِ غَيْرِهَا، وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِذِكْرِ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَذِكْرِ أَسْمَائِهِ. وَصِفَاتِهِ، وَآيَاتِهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَصَصِ، وَالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالْحُدُودِ، وَالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْقُرْآنُ مَمْلُوءًا بِغَيْرِ الْأَهَمِّ الْأَشْرَفِ؟ .
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلَّقَ السَّعَادَةَ بِمَا لَا ذِكْرَ فِيهِ لِلْإِمَامَةِ، فَقَالَ: [﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٦٩]، وَقَالَ] (١): ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [سُورَةُ النِّسَاءِ: ١٣ - ١٤]، فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَانَ سَعِيدًا فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَتَعَدَّى حُدُودَهُ كَانَ مُعَذَّبًا، فَهَذَا (٢) هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ السُّعَدَاءِ، وَالْأَشْقِيَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِمَامَةَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْإِمَامَةَ دَاخِلَةٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
قِيلَ: غَايَتُهَا (٣) أَنْ تَكُونَ كَبَعْضِ الْوَاجِبَاتِ كَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ،