============================================================
وذلك لعدم اشتغاله بعلوم الحديث، وما أورده فيه من حكايات غريبة، ذكر فيها ما جرى لبعض الصالحين من أحوال خاصة، وما أتوه من مجاهدات ورياضات غالوا فيها، فنأت بهم عن حد الاعتدال الشرعي، ومن ثم لم تعد صالحة لأن تذكر في مقام القدوة، إذ فيها مجافاة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه لمريدي الآخرة أن يوغلوا في الدين برفق، وأن يأخذوا من الأعمال ما يطيقون، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "والقصد القصد تبلغوا".
وإدراكا من ابن الجوزي لأهمية كتاب "الإحياء" وإشفاقا منه على محبيه أن يأخذوا بكل ما فيه، عكف على الكتاب يهذبه وينقيه مما يزيغ بقارئه عن القصد، أو يجاوز به الحد، وسمى تأليفه هذا "منهاج القاصدين"، للإشارة إلى أنه التزم فيه القصد النبوي، والمنهج الوسطي، وأبان في مقدمته للكتاب ما الذي حدا به إلى هذا العمل ودفعه إلى هذا التأليف، وذكر ما الذي حذفه منه، وما الذي زاده فيه، مع تعليل ذلك كله، وإن فاتته أشياء لم يتنبه لها أو لم ينبه عليها(1).
وقد بقي هذا الكتاب "منهاج القاصدين" إلى زماننا هذا بعيدا عن أعين الباحثين، محجوبا في تضاعيف ما تركه علماؤنا من تراثهم العظيم، إلى أن يسر الله تعالى العثور على نسخ خطية منه، وضعت بين يدي الأستاذ كامل الخراط وهو الذي عمل في مجال تحقيق التراث مدة طويلة من الزمن، وكانت لديه رغبة قوية في تحقيق الكتاب، فقام بتحقيقه، بغية اصداره ووضعه بين أيدي الناس، لينتفعوا مما فيه من علم بديع، وآدب رفيع.
(1) وقد نبه على بعض ما فات الإمام ابن الجوزي محقق الكتاب في مقدمته له.
Halaman 3