Minhaj Muttaqin
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
Genre-genre
فصل ولا يثبت للذات في حالة العدم من الصفات إلا الصفة الذاتية، ودليل ثبوتها في حالة العدم هو أن الجوهر يستحقها لذاته لبطلان سائر وجوه التعليل وذاته ثابتة في كل حال. وبعد فقد وجب تحيز الجوهر عند الوجود واستحال عند العدم فلا بد من مؤثر في التحيز، وذلك المؤثر لا يصح أن يكون فاعلا لما سيعرف ولا يصح أن يكون هو الوجود؛ لأن تأثير الوجود في التحيز تأثير شرط لا تأثير إجياب وإلا لزم في كل موجود أن يتحيز ، بقي أن يكون المؤثر صفة ذاتية وهي إما فتجدده فيحل محل التحيز في الاحتياج إلى التعليل فلا يكون تعليل التحيز بها أولى من العكس وإما مستدامه وهو المطلوب. وبعد فقد ثبت أن الذوات تماثل وتختلف في حالة العدم؛ لأن بعضها إما أن يسد مسد البعض في ما يكشف عن صفتها الذاتية على التفصيل أو لا، والأول هو التماثل، والثاني هو الاختلاف، والذي يكشف عن الصفة الذاتية هو المقتضى عنها إلا أنه قد يكشف على التفصيل كالتحيز فإنه يكشف عن ذاتية هي جوهرية فيدل الاشتراك فيه على التماثل، وقد يكشف على الجملة كصفة كون الشيء معلوما، فإنه يكشف عن ذاتية مجملة لا ندري أجوهرية هي أم سوادية، فلا يدل الاشتراك فيها على التماثل، إذا ثبتت المماثلة والمخالفة فهي إما أن تثبت للذات بمجرد كونها ذاتا وهو محال لاشتراك الذوات كلها في ذلك وإما أن يثبت لكونها ذاتا مخصوصة كما يقوله أبو الحسين، وهو باطل؛ لأنا نقول له: بماذا هي مخصوصة، هل بكونها ذاتا فيلزم تماثل جميع الذوات أو بأمر زائد وهو المطلوب، وهذا قد أورده أصحابنا دليلا مستقلا على إثبات الجوهرية وما عارضهم به أصحاب أبي الحسين من أن معنى المماثلة حاصل في الصفات وأن الجوهرية في حكم المماثلة للجوهرية الأخرى، فكان يجب أن يثبت صفات أخرى للصفات، فهو غير لازم؛ لأن المماثلة الحقيقية لا تثبت إلا في الذوات، ومعنى قول أصحابنا أن الصفات تجري مجر المتماثلة هو أنها لو كانت ذوات لكانت متماثلة، فالتماثل فيها مقدر، وليس يجب إذا علل الحكم المحقق بصفة إن تعلل المقدر بذلك، وإما أن تثبت المماثلة لمعنى، وهو محال؛ لأن المعنى لا يختص بالمعدوم /76/ ولأن المعنى يماثل مماثلة ولأن ما أثر فيه المعنى فهو جائز، وأما إن ثبت الحكم وهو محال لأنها إنما ثبتت لأمر ذاتي وقد تقدم أنه لا ذاتي في الأحكام، وأما إن تثبت بالفاعل وهو محال لأن الفاعل لا يؤثر إلا في الحدوث وتوابعه، ولأن الفاعل يماثل فيحتاج إلى فاعل آخر، ولأن المخالفة تثبت للباري تعالى وهو لا فاعل له، ولأن ما يؤثر فيه الفاعل جائز، والمماثلة والمخالفة تثبت واجبتان وأما إن ثبت لصفة ذاتية منتظرة كما يقوله أبو إسحاق بن عياش حيث أثبت التحيز ونفى الجوهرية وهو باطل؛ لأن هذه الأحكام ثابتة حال العدم فلا يصح في المؤثر فيها أن يتراخى عنها.
بقي أن نثبت لصفة ذاتية ثانية حال العدم وهو المطلوب إلا أن الشيخ أبا عبد الله يقول: إنها هي التحيز، وينفي الجوهرية، ويجعل أحكام التحيز من شغل الجهة ونحوه مشروطا بالوجود، ويبطله أن هذه الأحكام التي هي شغل الجهة ونحوه حقيقة في التحيز، وبها يتميز عن غيره فلا يصح انفصالها عنه كصحة الفعل مع كونه قادرا فلا يثبت التحيز إلا حال الوجود، وفي ذلك كونه غيرا للجوهرية.
Halaman 117