ومما بنوه من الأسباب الثقيلة والخفيفة والأوتاد المجموعة: الوافر والكامل.
ومما بنوه من الأسباب الثقيلة والأوتاد المجموعة والمفروقة: الخبب.
ومما بنوه من الأسباب الثقيلة والخفيفة والأوتاد المجموعة والمفروقة: المقتضب، على ما بيناه قبل.
ومما بني على الأسباب الخفيفة والأوتاد المجموعة والمفروقة والمضاعفة الضرب الأول من المجتث. وقد غاب عن العروضيين كونه من المجتث وجعلوه ضربا ثالثا من البسيط وقد روا شطر الضرب منه: مستفعلن فاعلن مستفعلان، مقاييس البلاغة تقتضي أن يكون تقديره: مستفعلن فاعلاتن فاعلان، لوجوه يطول ذكرها. ومنها: أن زيادة المدة في مستفعلان في البسيط لا معنى لها، ومنها أن التجزئة التي قد روابها المحتث- وهي أن يكون أصل شطره: مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن - خارجة عن القوانين التي اعتمدتها العرب في تركيب أوزانها، فإنهم لم يضاعفوا جزءا سباعيا في ما يلي نهايات الأشطار لما قدمناه من استثقال ذلك. وإنما وقع لهم مضاعفا فيا لنهايات وما يليها الخماسي لأنه أخف، نحو العروض المجزوءة المحذوفة من المديد وتقديرها: فاعلاتن فاعلن فاعلن. فلهذا جعلنا نحن تقدير شطر الضرب الأول من المحتث: مستفعلن فاعلاتن فاعلان. فيكون تركيبه على هذا من جزء مفرد وجزأين متضارعين وقع أخفهما في النهاية.
وهذا النحو من الوضع من جملة التركيبات المتناسبة. وهناك ضروب جعلوها من مقصرات البسيط، ويمكن أن ترد إلى هذا، وهي به أليق لأن مجاريها أوفق بمجاريه لأن الخبن في فاعلن من البسيط يحسن ما لا يحسن في تلك المقصرات، فلهذا كانت أنسب إلى المجتث. وأيضا فإن الطويل والبسيط عروضان فاقا الأعاريض في الشرف والحسن وكثرة وجوه الوضع، فإذا أزيل عنهما بعض أجزائهما ذهب الوضع الذي به حسن التركيب وتناهى في التناسب فلم يوجد لمقصراتها طيب لذلك. وغيرهما من الأعاريض قد يوجد في مقصراته ما يكون أطيب منه. فلما كانت مقصرات الطويل والبسيط تنحط عن درجة الوزن التام في ذلك انحطاطا متفاوتا كان لإهمال تلك المقصرات وجه من النظر إذ كانت الأوزان التامة كالآباء وهذه المقصرات المقتضبة كالأبناء. وإذا لم يلد الكريم كريما كان أحسن له أن لا يلد. لكن الناس قد نسبوا الوزن الذي صلح عندنا أن يكون ضربا ثانيا من المجتث إلى البسيط، فلنسامحهم في ذلك. وحكم مخلع البسيط الذي تجيء نهاياته على مثال مفعولن هذا الحكم. وكلاهما صالح أن ينسب إلى المجتث.
فأما الوزن المضارع لهذا المخلع وهو الذي اعتمد المحدثون إجراء نهاياته على مثال فعولن، فليس راجعا إلى واحد من هذه الأوزان. وإنما هو عروض قائم بنفسه مركب شطره من جزأين تساعيين على نحو تركيب الخبب وتقديره: مستفعلاتن مستفعلاتن، وكأنهم يلتزمون حذف السين من الجزء الثاني لأن السواكن في كل وزن إذا توالى منها أربعة ليس بين كل ساكن منها وساكن إلا حركة تأكد حذف الساكن الثالث وحسن الوزن بذلك حسنا كثيرا.
فمما ورد من ذلك محذوف الساكن قول علي بن الجهم: (اللاحق -ق- المترادف)
بسر من را إمام عدل ... تغرف من جوده البحار
لم تأت منه اليمين شيئا ... إلا أتت مثله اليسار
ومما جاء على أصل الوزن قول بعض الأندلسيين: (اللاحق -ق- المترادف)
وحي عني إن فزت حيا ... أمضى مواضيهم الجفون
وقول أبي بكر بن مجبر: (اللاحق -ق- المترادف)
إن سل سيفا بناظريه ... لم تر فينا إلا قتيلا
فمثل هذه النون من قوله (إن فزت) مقبولة في الذوق، وإن كان حذفها أخف. فواجب أن تجعل تجزئة الوزن بحسب ما وجد مقبولا فيه لتسلم أقاويل كثير ممن يوثق بصحة ذوقه من الكسر، لأنه كالمستحيل عليهم. فإن طباعهم لا تقبل ذلك إلا وله وجه. وليس يمكن أن يقع هذا الساكن في مثل قوله: (اللاحق -ق- المترادف)
أقفر من أهله ملحوب
لأن اجتماعها مع اللام في قوله ملحوب لا يقبله الذوق إذا كانت السواكن في ذلك الوزن الذي لا يثبت فيه مثل اللام الساكنة في ملحوب قد تناهت في الكثرة، فكانت أربع أخماس المتحركات، ولا يمكن أن تكون نسبة السواكن من المتحركات أكثر من هذا. فلهذا اقتضى النظر البلاغي أن يجعل وزنا برأسه. وليس أخذ هذا الوزن عن العرب يثبت بل هو مثل الخبب في ذلك.
1 / 76