١٠- تنوير: وقد يكون المأخذ في العبارة المقترن فيها معنيا بأحد هذه الاقترانات على أن يكون كلا المعنيين عمدة في الكلام وركنا يثلم الغرض إزالته. وقد يكون المأخذ فيها على أن يكون أحد المعنيين عمدة والآخر فضلة أو كالفضلة لضروب من التتميميات والتعريضات وتحقيق صحة مفهوم أحدهما ببيان الصحة في مفهوم الآخر كمن يقول: العفاف فضيلة كما أن الفسوق رذيلة.
١١- إضاءة: وإذ قد عرفنا كيفية التصرف في المعاني التي لها وجود خارج الذهن والتي جعلت بالفرض بمنزلة ما له وجود خارج الذهن فيجب أيضًا أن (يشار) إلى المعاني التي ليس لها وجود خارج الذهن أصلا، وإنما هي أمور ذهنية محصولها صور تقع في الكلام بتنوع طرق التأليف في المعاني والألفاظ الدالة عليها والتقاذف بها إلى جهات من الترتيب والإسناد، وذلك مثل أن تنسب الشيء إلى الشيء على جهة وصفه به أو الإخبار به عنه أو تقديمه عليه في الصورة المصطلح على تسميتها فعلا أو نحو ذلك. فالإتباع والجر وما جرى مجراهما معان ليس لها خارج الذهن وجود لأن الذي خارج الذهن هو ثبوت نسبة شيء إلى شيء أو كون الشيء لا نسبة له على الشيء. فأما أن يقدم عليه أو يؤخر عنه أو يتصرف في العبارة عنه نحوا من هذه التصاريف فأمور ليس وجودها إلا في الذهن خاصة.
١٢-تنوير: وإذ قد تبين هذا فيجب أن نشير إلى ما يحسن اعتماده في التصرف في هذه المعاني الذهنية. وإن تعددت في الشيء الواحد بحسب وضعه (و) ترتيبه فالواجب أن يعتمد من تلك الصور المتعددة وإن استوت دلالة ومعنى به يليق (......) عبارة لا تسد مسد عبارة في حسن وقع وإن كان مفهومهما واحدا، لان إحداهما أليق بالموضع وأشدهما مناسبة لما وقع في جنبتي الكلام المكتنفتين له أو لما وقع (......) إحداهما. ويكون هذا التناسب يقع بين المفهومات أو بين المسموعات الدالة عليها.
١٣- إضاءة: ويحسن أيضًا أن يقصد تنويع الكلام من جهة الترتيبات الواقعة في عباراته وفي ما دلت عليه بالوضع في جميع ذلك والبعد به عن التواطؤ والتشابه، وأن يؤخذ الكلام من كل مأخذ حتى يكون كل مستجدا بعيد من التكرار، فيكون أخف على النفس وأوقع منها بمحل القبول. ويقتدر على هذا بعرفتة كيفيات تصاريف العبارات وهيآت ترتيبها وترتيب ما دلت عليه، والبصيرة بضروب تركيباتها وشتى مآخذها، وبقوة ملاحظات الخواطر لضروب تلك العبارات وأصناف هيآتها وهيآت ما دلت عليه، وللحيل التي تنتظم بها تلك العبارات على الهيآت المختارة لمسلك الوزن باختصار أو حشو أو إبدال لفظة مكان لفظة أو تقديم أو تأخير، وبسرعة التنبه للموضع الذي تطابقه العبارة من الوزن في ترتيب الحركات والسكنات فيطبعها في ذلك الموضع ويصلها بما قبلها بزيادة أو نقص أو إبدال أو غير ذلك. وإن اتفق ألا يحتاج في صلتها بما قبلها إلى شيء من ذلك فهو أحسن. ولما كان التصرف في ترتيب العبارات بإزاء التصرف في ترتيب المعاني جعلت هذه الإضاءة الموضحة عن الوجوه التي يجب اعتمادها في جميع ذلك.
١٤- تنوير: يشترط في النقلة من بعض هذه المعاني الذهبية إلى بعض أن يكون ذلك غير خارج عن الهيآت التي وقعت للعرب في النقلة من بعض ذلك إلى بعض. ويشترط في المعاني التي خارج الذهن أن ينتقل في أمثلتها الذهبية يكون النظر في صناعة البلاغة من جهة ما يكون عليه اللفظ الدال على الصور الذهنية في نفسه ومن جهة ما يكون عليه بالنسبة إلى موقعه من النفوس من جهة هيأته ودلالته، ومن جهة ما تكون عليه تلك الصور الذهنية في أنفسها، ومن جهة مواقعها من النفوس من جهة هيآتها ودلالاتها على ما خارج الذهن، ومن جهة ما تكون عليه في أنفسها الأشياء التي تلك المعاني الذهنية صور لها وأمثلة دالة عليها، ومن جهة مواقع تلك الأشياء من النفوس.
1 / 3