الصندوق الخيري لنشر البحوث والرسائل العلمية (١٢)
الدراسات الفقهية (٩)
المِنَحُ الشَّافِيات
بِشَرْحِ مُفْردَاتِ الإمَامِ أحْمَد
تأليف العلامة
منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتي
تحقيق ودراسة
فضيلة أ. د. عبد الله بن محمد المُطلَق
عضو هيئة كبار العلماء
بالمملكة العربية السعودية
الجزء الأول
كنوز إشبيليا
للنشر والتوزيع
1 / 1
دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع، ١٤٢٧هـ
فهرسه مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
المطلق، عبد الله بن محمَّد
المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد/ عبد الله بن محمَّد المطلق
- الرياض ١٤٢٧ هـ
٤٤٤ ص: ١٧×٢٤ سم
ردمك: ١ - ١٣ - ٧٠١ - ٩٩٦٠ (مجموعة)
×-١٤٠ - ٧٠١ - ٩٩٦٠ (ج١)
١ - الفقه الحنبلي
أ- العنوان
ديوى ٢٥٨،٤
٢٩٩٧/ ١٤٢٦
رقم الإيداع: ٢٩٩٧/ ١٤٢٦
ردمك: ١ - ١٣ - ٧٠١ - ٩٩٦٠ (مجموعة)
×- ١٤ - ٧٠١ - ٩٩٦٠ (ج١)
ساعد على نشره ليباع بسعر التكلفة
مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية
- جزاهم الله خيرًا-
جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٢٧هـ - ٢٠٠٦م
دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية ص. ب ٢٧٢٦١ الرياض ١١٤١٧
هاتف: ٤٧٤٢٤٥٨ - ٤٧٧٣٩٥٩ - ٤٧٩٤٣٥٤ فاكس: ٤٧٨٧١٤٠
﵊-mail: [email protected]
1 / 2
المِنَحُ الشَّافِيات
بِشَرْحِ مُفْردَاتِ الإمَامِ أحْمَد
(١)
1 / 3
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد ..
فسأتحدث في هذه المقدمة عن الأمور التالية:
١ - أهمية البحث
٢ - أسباب اختياري لهذا الموضوع.
٣ - خطة البحث.
أما أهمية البحث:
فإن الفقه من أهم العلوم وأشرفها، وحاجة الناس إليه متجددة متكررة، وقد بين ﷺ أن من أراد الله به خيرًا فقهه في الدين، ذلك أن من أوتي الفقه في الدين فقد أوتي القرآن وتفسيره، وأوتي العلم بسنة النبي ﷺ
1 / 5
وإجماع الأمة ووسائل الاستنباط، فتلك مصادر الفقه وموارد الفقيه التي يستقي منها الفتوى في كل مسألة عويصة وحادثة جديدة.
وقد ضرب فقهاء السلف في ذلك بسهم وافر، وكانوا سببًا في الثراء الكبير، الذي افتخرت به المكتبة الإِسلامية، بما ألفوا من الكتب وقعّدوا من القواعد، وبما خرّجوا من التلاميذ الذين حملوا المشعل بأمانة إلى من بعدهم، وساروا بالأمة على النهج الواضح القويم.
كان من أبرز هؤلاء الأئمةُ الأربعةُ الذين انتشرت مذاهبهم وكثر أتباعهم، وقد تتابع أتباع كل مذهب من هذه المذاهب على التأليف فيه وتدريسه ونشره، ولن ينقطع هذا الاهتمام ما دامت الأمة معتزة بتشريعها وتراثها، متصلة بماضيها الخالد النفيس.
وكان الإمام أحمد بن حنبل أحد هؤلاء الأئمة، واحد أئمة الحديث الكبار الذين حفظوا الأحاديث وأتقنوا الآثار وأجادوا تلك الصناعة حتى كان من أحذق صيارفة الحديث، ولقد كان مصدر شهرة الإمام أحمد في الحديث ما امتاز به من حفظ منقطع النظير، وما تركه من آثار كبيرة في هذا المجال. فلقد كان من آثاره ﵀:
١ - كتاب المسند، المشهور وفيه ما يقرب من أربعين ألف حديث -بالمكرر- مطبوع.
٢ - كتاب التفسير، وعدد أحاديثه مائة وعشرون ألفًا (١).
_________
(١) وقد استبعد الذهبي -في سير أعلام النبلاء ١٣/ ٥٢١ - ٥٢٢، في ترجمة عبد الله بن الإمام أحمد- أن يكون مثل هذا الكتاب للإمام أحمد للأسباب التالية:
١ - عدم وصول شيء منه إلينا، مع اهتمام علماء الحنابلة بتراث أحمد ووفرتهم ببغداد.
٢ - أنه لو كان لأحمد لنقحه من الأحاديث التي لا تثبت ولم يصل عدد أحاديثه إلى هذا القدر.
٣ - أن الإمام أحمد كان لا يرى التصنيف وإنما جمع المسند ابنه عبد الله، حيث كان
يسمعه من والده نسخًا وأجزاءً.
1 / 6
٣ - كتاب الزهد، وهو في مجلد، وهو مملوء بالأحاديث والآثار- مطبوع.
٤ - كتاب الصلاة- مطبوع.
٥ - كتاب المناسك الكبير، وكتاب المناسك الصغير.
٦ - حديث شعبة.
٧ - كتاب السنة.
٨ - كتاب الفتن.
٩ - كتاب الورع.
١٠ - كتاب الترجل.
وغيرها من الكتب، وكلها مملوءة بالأحاديث والآثار الكثيرة التي تدل على ما يتصف به الإمام من تضلع متين في الحديث وحفظ كبير للآثار.
ولقد أثر هذا الرصيد الضخم من الأحاديث والآثار على منهج الإمام الفقهي، فلقد استطاع ﵀ أن يستل فتاواه الفقهية مما حازه من تلك الذخيرة الفائقة، وذلك المخزون العميق من الحديث والأثر، فبدت فتاواه وكأنها آثار بحتة، حيث اصطبغت بصبغتها واندمجت في ثناياها.
ولقد كان هذا الرصيد الضخم سببًا قويًا وظاهرًا من أسباب انفراد الإمام أحمد بمسائل فقهية عن بقية الأئمة الأربعة، فقد تتوفر عنده طرق الحديث حتى يشاهد صحتها، أو تتضح عنده الرؤية حولها فيجزم بأحكامها وعدم نسخها، وقد تصل إليه فتاوى الصحابة في الموضوع فلا يبغي بها بديلًا ولا يرضى بغيرها من الأقيسة دليلًا.
ومن عرف أحمد فقيهًا محدثًا متشبعًا بآثار الصحابة والتابعين، لا بدّ أن يحسب لمفرداته ألف حساب، مما يجعله يتتبع مستنده فيها، فيبحث ويدقق. فلعل حافظة الإمام وَعَتْ شيئًا فات من قبله، أو أدرك آثارًا لم تصل سابقيه. رحم الله الجميع، فقد كان قصدهم حسنًا وهدفهم واحدًا.
وكلهم من رسول الله مقتبس ... غَرْفًا من البحر أو رشفًا من الديمِ
1 / 7
أسباب اختياري للموضوع:
لقد كان من أبرز أسباب اختياري للموضوع، ما كان يستوقفني كثيرًا عند قراءتي في كتاب الإنصاف، حين يسوق روايات المذهب الحنبلي، بأن هذه الرواية أو هذا القول أو الوجه من مفردات المذهب.
ولما كنت أعرف انتماء أحمد إلى مدرسة أهل الحديث، وتتلمذه على الشافعي الذي درس على الإمامين مالك ومحمَّد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة، فقد كنت استكثر هذه المفردات وأفكر في ثبوتها عن الإمام.
ولقد نشأ في نفسي محبة الاطلاع على المفردات ومعرفة مستند أحمد في كل مسألة، وهل مذهبه فيها راجح أو مرجوح، وما موقف محققي مذهبه الذين جمعوا -كإمامهم- بين الفقه والحديث، وسلكوا نهجه في تحري السنة الثابتة عن الرسول ﷺ.
ولقد علمت أن الشيخ محمَّد بن علي بن عبد الرحمن المقدسي المتوفى سنة ٨٢٠ هـ قد جمع ما انفرد به أحمد في صحيح مذهبه المشهور عن الأئمة الثلاثة في كتاب سماه "النظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد"، وشرحه شيخ المذهب في عصره، العلامة منصور بن يونس البهوتي سنة ١٠٥١ هـ ولقد رأيت هذا الشرح مطبوعًا سنة ١٣٤٤ هـ طباعة سيئة فيها بياض كثير وتصحيف وتحريف. كما وجدت مسائل كثيرة مما عده الناظم من المفردات -وسلم له الشارح ذلك- قد نص عليها أئمة المذاهب الأخرى، وهي موجودة في كتب مذاهبهم المتداولة الآن بين أيدي طلبة العلم في المكتبات العامة.
لذلك رأيت أن أسهم في هذا المجال بخدمة هذا الكتاب الذي احتوى على الخرائد الفريدة في الفقه الحنبلي، وذلك بتحقيق عبارته وإلقاء الأضواء على حياة مؤلفه، وآثاره العلمية، ومنهجه في الكتاب، وتتبع المسائل المفردة في الكتاب في مظانها من كتب الفقه في المذاهب الأخرى، وأسجل ما أجده مما وافق فيه أحد الأئمة الثلاثة أحمد، مما يدلّ على عدم الانفراد.
ورأيت تتميمًا للفائدة أن أسجل رأي شيخ الإِسلام ابن تيمية وتلميذه ابن
1 / 8
القيم إذا رجحا المفردة واستحسناها، كما أسجل رأي المحققين من غير الحنابلة إذا أيدوا ما انفرد به أحمد، وذلك كابن حزم الظاهري والنووي والكمال ابن الهمام وعلاء الدين الكاساني والشوكاني والصنعاني.
خطة البحث:
لقد سرت في دراسة هذا الكتاب وتحقيقه على الخطة التالية:
أولًا: الدراسة وهي قسمان:
القسم الأوّل ويشمل:
أ- التعريف بمفردات الأمام أحمد ويشمل:
١ - تعريف المفردات.
٢ - لكل إمام مفردات.
٣ - التأليف في مفردات أحمد.
٤ - منهج الإمام أحمد في الفقه.
٥ - أصول مذهب الإمام أحمد.
٦ - نظرة في المفردات.
٧ - أسباب الانفراد.
ب- التعريف بمؤلف الكتاب، ويشمل:
١ - عصره.
٢ - نسبه ومولده.
٣ - نشأته وتعلمه.
٤ - خلقه.
٥ - صلاته بعلماء نجد.
1 / 9
٦ - شيوخه.
٧ - تلاميذه.
٨ - مؤلفاته.
٩ - وفاته.
جـ- التعريف بالكتاب، ويشمل:
١ - العنوان.
٢ - نسبته إلى المؤلف.
٣ - منهج المؤلف فيه.
٤ - قيمة الكتاب.
٥ - المآخذ على الكتاب.
٦ - مصادر الكتاب.
أما القسم الثاني من الدراسة:
وهو الخاص بالمسائل الفقهية المذكورة في الكتاب، والذي يتطلب البحث والتنقيب عن كل مسألة مفردة في كتب المذاهب الأخرى، لنرى هل سلم للمؤلف ومن قبله الناظم ما ذكراه من انفراد أحمد بها، أم أن أحدًا من الأئمة شارك أحمد في القول بها؟ -فلقد وزعت حاصل هذه الدراسة على المسائل الفقهية في الكتاب، فحيث وجدت في مسألة من المسائل أن أحد الأئمة قد شارك أحمد في المسألة، أذكر ذلك تعليقًا في الحاشية، وأنقل ما رأيته من كتب المذاهب بنصه، ذاكرًا اسم الكتاب الذي نقلت منه ورقم الجزء والصفحة التي فيها هذا الكلام.
وربما نقلت من وافق أحمد من غير الأئمة الثلاثة من علماء السلف أو محققي المذاهب الأخرى.
ولقد حرصت على نقل اختيارات شيخ الإِسلام ابن تيمية وتلميذه ابن
1 / 10
القيم لما انفرد به أحمد من المسائل؛ لأنّ اختيار هذين العالمين المحققين يمنح المفردة مزيد القوة عند طلبة العلم، الذين يبحثون عن الراجح بالدليل.
ثانيًا: التحقيق ويشمل:
١ - عرض لنسخ الكتاب المخطوطة، يشتمل على بيان عدد النسخ، ومكان كل نسخة ورقمها في المكتبة، واسم ناسخها وسنة الفراغ من نسخها وعدد أوراقها وعدد الأسطر بكل ورقة ووصف حالة المخطوط الراهنة.
٢ - عرض موجز، يبين المنهج الذي سلكته في التحقيق، ويوضح أهم ملامحه، وتتمثل في الخطوات التالية:
أ- المقابلة بين النسخ لتصحيح عبارة الكتاب وإثبات ما يغلب على الظن أنه عبارة المؤلف.
ب- أشرت إلى رقم الآيات القرآنية الموجودة في الكتاب وسورها.
جـ- خرجت الأحاديث والآثار الموجودة في الكتاب مشيرًا إلى مواضعها من كتب الحديث والأثر.
د- بذلت جهدي في مقابلة النصوص المنقولة في الكتاب بمصادرها الأصلية، وبيان مكانها في الكتب المطبوعة منها.
ولم ألتزم الإشارة إلى مرجع المؤلف حين يعبر بقوله:
اختاره، أو قدمه، أو قطع به أو جزم به؛ لأمرين:
١ - أن المؤلف نقل هذه العبارات من الإنصاف، وقد أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه.
٢ - أنه لم يكن في هذه العبارة نص منقول يتحقق من صحة عبارته، خوف تحريف النساخ، أو سبق قلم المؤلف أو الناسخ.
هـ -عرّفت بالمواضع الموجودة في الكتاب.
1 / 11
و- عزوت الشواهد اللغوية في الكتاب إلى قائليها، ونسبتها إلى مواضعها من دواوين الشعراء وكتب اللغة.
ز- ترجمت للأعلام العلماء الموجودين في هذا الكتاب، وجعلت ذلك في آخر الكتاب مرتبًا على حروف الهجاء.
ثالثًا: وضعت الفهارس الآتية لخدمة الكتاب:
١ - فهرس الآيات القرآنية.
٢ - فهرس الأحاديث النبوية والآثار.
٣ - فهرس الشواهد اللغوية والنحوية.
٤ - فهرس مراجع التحقيق والدراسة.
٥ - فهرس مواضيع الكتاب.
والله أسال أن يجعل عملنا كله صالحًا ولوجهه خالصًا وأن لا يجعل لأحد فيه شركا وصلى الله على نبينا محمَّد وآله وصحبه وسلم.
1 / 12
لمحة عن مفردات الإمام أحمد
ويشمل:
١ - تعريف المفردات.
٢ - لكل إمام مفردات.
٣ - التأليف في مفردات أحمد.
٤ - منهج الإمام أحمد.
٥ - أصول مذهب الإمام أحمد.
٦ - نظرة في المفردات.
٧ - أسباب الانفراد.
1 / 13
المفردات
المفردات: جمع مفردة. ومادة فَرَدَ تأتي لمعان تدل في مجموعها على الوحدة والانفراد.
فالفرد: الوتر، وجمعه أفراد وفرادى على غير قياس كأنه جمع فَرْدان، وثور فَرْد وفَارِد وفَرِدٌ وفَردٌ وفَرِيد كله بمعنى منفرد، وظبية فَارِد انقطعت عن القطيع وكذلك السدرة الفاردة التي انفردت عن سائر السدر.
والفَرِيد: الدر إذا نظم وفصل بغيره، وأفْرَاد النجوم: الدراري في آفاق السماء، لانفرادها بقوة الإضاءة والنور (١).
فالمفردات هنا إذن:
المسائل الفقهية التي انفرد فيها أحد الأئمة الأربعة بقول مشهور في مذهبه، لم يوافقه فيه أحد من الأئمة الثلاثة الباقين (٢).
وبهذا التعريف يظهر أنه ليس من لوازم المفردات أن ينفرد بها القائل من علماء الأمة جميعًا، ولو كان ذلك لازمًا، لندر أن يكون هناك مفردة، إذ يندر أن ينفرد أحد من علماء المسلمين، بقول في مسألة لم يوافقه فيه أحد من العلماء قبله، ولو وُجِدَ فغالبًا ما يكون هذا من أخطاء ذلك العالم.
_________
(١) الصحاح٢/ ٥١٨ - ٥١٩.
(٢) انظر مفاتيح الفقه الحنبلي ٢/ ٢٣٩.
1 / 14
لكل إمام مفردات:
إن دارس الفقه الإِسلامي المفتش عن ذخائره في الكتب الكثيرة، التي زخرت بها المكتبات الإِسلامية، يجد أمامه واضحًا أن لكل مجتهد مسائل انفرد بها عن علماء عصره، وقد يكون له فيها مستند قوي فهمه من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وقد يكون فيها مخطئًا معتمدًا على فهم غير سديد لأحد الأدلة الشرعية.
ويستطيع دارس الفقه الإِسلامي المقارن أن يطلع على مسائل كثيرة انفرد بها أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المنتشرة، قد يكون قوله فيها راجحًا وقد يكون مرجوحًا.
وقد ذكر ابن منقور في مجموعه -عن الوزير ابن هبيرة في الإفصاح- مسائل متعددة مما انفرد به كل واحد من الأئمة الثلاثة (١).
وقد رأيت أن بعضًا منها لا يسلم فيها القول بالانفراد، وبعضًا منها قول مرجوح لذلك الإمام يرده كثير من أصحابه، وقد حاولت جاهدًا أن أمثل لما انفرد به كل إمام، راجعًا في ذلك إلى الكتب المعتمدة في مذهبه، مجتهدًا في تحقيق انفراده بالبحث في فقه المذاهب الأخرى وقد توصلت إلى ما يأتي:
أولًا: أمثلة لما انفرد به الإمام أبي حنيفة ﵀:
١ - نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة ذات الركوع والسجود (٢).
٢ - الإقامة كالأذان وزيادة: قد قامت الصلاة مرتين (٣).
٣ - استحباب تكبير الإمام ومن معه عند قول المقيم: قد قامت الصلاة.
_________
(١) انظر الفواكه العديدة ١/ ٤٩ - ٤٩.
(٢) بدائع الصنائع ١/ ٣٢.
(٣) المرجع السابق ١/ ١٤٨.
1 / 15
٤ - وجوب صلاة الوتر، وقد روي عنه أنها فرض (١).
٥ - وجوب صلاة العيدين (٢).
٦ - تخصيص جواز الجمع، بجمع الظهر والعصر يوم عرفة، مع الإمام للحاج، والمغرب والعشاء للحاج بمزدلفة (٣).
٧ - إذا ماتت المرأة فليس لزوجها أن يغسلها؛ لانتهاء النكاح، وإن مات هو غسلته لأنها في العدة (٤).
٨ - عدم وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون؛ لأنها عبادة محضة، والصبي والمجنون لا يخاطبان بها، ولا يطالب الوليّ بإخراجها من مالهما إلا في زكاة الحبوب والثمار لوجوبها عليهما (٥).
٩ - تفضيل القِرَان في الحج مطلقًا؛ لأنه نسك النبي ﷺ (٦).
١٠ - ثبوت خيار الرؤية للمشتري دون البائع. وهذا رأيه الأخير (٧).
ثانيًا: أمثلة لما انفرد به الإمام مالك:
١ - عدم التوقيت في المسح على الخفين (٨).
٢ - طهارة الكلب (٩).
٣ - إفراد قول: (قد قامت الصلاة) في الإقامة (١٠)
_________
(١) المرجع السابق ١/ ٢٧٠.
(٢) المرجع السابق ١/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
(٣) المرجع السابق ٢/ ١٥٢ - ١٥٣.
(٤) المرجع السابق ١/ ٣٠٤، والمفردة إنما هي المسألة الأولى.
(٥) المرجع السابق ٢/ ٥٦٠٤.
(٦) المرجع السابق ٢/ ١٧٤.
(٧) المرجع السابق ٥/ ٢٩٢.
(٨) الكافي لابن عبد البر ١/ ١٧٦ - ١٧٧.
(٩) المرجع السابق ١/ ١٦١.
(١٠) المرجع السابق ١/ ١٩٧.
1 / 16
٤ - استحباب صلاة التراويح ستًا وثلاثين ركعة والوتر (١).
٥ - وجوب تبييت النية في صوم التطوع، وأنه لا يصح إلا بها (٢)
٦ - لا عقيقة بعد اليوم السابع. هذا هو المشهور عنه (٣).
٧ - تفضيل المدينة على مكة (٤).
٨ - إباحة أكل سباع الطير الجارحة (٥).
٩ - أن ما مات حتف أنفه من الجراد لا يؤكل (٦).
ثالثًا: أمثلة لما انفرد به الشافعي:
١ - وجوب قراءة الفاتحة على المأموم مطلقًا (٧).
٢ - استحباب التورك في جلسة التشهد الأخير واستحباب الافتراش في الأوّل (٨).
٣ - أن صلاة الجماعة فرض كفاية (٩).
٤ - أن سجود السهو كله قبل السلام (١٠).
٥ - أن من أقام ببلد بنية أن يرحل منه إذا حصلت حاجة له يتوقعها كل وقت قصر ثمانية عشر يومًا (١١).
_________
(١) المرجع السابق ١/ ٢٥٦.
(٢) المرجع السابق ١/ ٣٣٧.
(٣) المرجع السابق ١/ ٤٢٦.
(٤) شرح الزرقاني على الموطأ ٢/ ٤.
(٥) الكافي لابن عبد البر ١/ ٤٣٧.
(٦) المرجع السابق ١/ ٤٣٧.
(٧) انظر مغني المحتاج ١/ ١٥٥ - ١٥٦.
(٨) المرجع السابق ١/ ١٧٢.
(٩) المرجع السابق ١/ ٢٢٩.
(١٠) المرجع السابق ١/ ٢١٣.
(١١) المرجع السابق ١/ ٢٦٥.
1 / 17
٦ - جواز تعجيل زكاة الفطر من أول رمضان (١).
٧ - أن العمرة فرض (٢).
٨ - ابتداء وقت ذبح هدي التمتع بعد الفراغ من عمرة التمتع (٣)
٩ - صحة وجواز زواج البنت من الزنا (٤).
١٠ - وجوب ختان المرأة (٥).
التآليف في مفردات الإمام أحمد:
ألف الشيخ أبو الحسن علي بن محمَّد الطبري الهراسي الشافعي -المعروف بإلكيا، المتوفى سنة ٥٠٤ هـ - كتابًا في مفردات أحمد. وتصدى للرد عليه فيها وبيان ضعف مأخذه في الاستدلال عليها. ولم يعتبر ﵀ القول المشهور لأحمد، ولا ما وافق فيه مالكًا، فجازف بِعَدِّ مسائل ليست من "المفردات". وقد تصدى له فقهاء الحنابلة في وقته وبيَّنوا زيف ادعاءاته وتتبعوا ألفاظه وكلماته.
١ - فألف معاصره أبو الوفاء علي بن محمَّد بن عقيل البغدادي، المتوفى سنة ٥١٣ هـ كتابه "المفردات" في الرد عليه.
٢ - وألف أبو الحسن علي بن عبد الله بن نصر بن السري الزاغوني المتوفى سنة ٥٢٧ هـ كتابه "المفردات" في مجلدين، وهي مائة مسألة.
٣ - ثم ألف عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمَّد الشيرازي المتوفى سنة ٥٣٦ هـ كتابه "المفردات".
_________
(١) المرجع السابق ١/ ٤١٦.
(٢) المرجع السابق ١/ ٤٦٠.
(٣) المرجع السابق ١/ ٥١٦.
(٤) المرجع السابق ٣/ ١٧٥.
(٥) شرح النوويّ على مسلم ٣/ ١٤٨.
1 / 18
٤ - ثم ألف أبو يعلى المغير محمَّد بن محمَّد بن محمَّد عماد الدين ابن أبي يعلى المتوفى سنة ٥٦٠ هـ كتابه "المفردات".
٥ - ثم ألف فيها أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمَّد بن علي جمال الدين بن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ هـ.
٦ - ثم ألف إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي المعروف بغلام ابن المني المتوفى سنة ٦١٠هـ كتابه "المفردات".
٧ - ثم ألف أحمد بن الحسين بن عبد الله بن الشيخ أبي عمر المقدسي المشهور بابن قاضي الجبل المتوفى سنة ٧٧١هـ "كتاب الرد على إلكيا الهراسي"، كتب منه مجلدين ولم يتمه.
٨ - وألف محمَّد بن أحمد بن عبد الهادي المتوفى سنة ٧٤٤ هـ كتابه "الرد على إلكيا الهراسي" في جزء كبير.
٩ - ثم ألف محمَّد بن علي بن عبد الرحمن العمري المتوفى سنة ٨٢٠ منظومته التي شرحها الشيخ منصور البهوتي بهذا الكتاب وسماها "النظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد".
وقد اتجه كثير من العلماء الذين وهبهم الله ملكة شعرية إلى نظم العلوم، حيث وجدوه وسيلة سهلة لحفظ قواعدها، والإبقاء على شواردها في الذهن، يتغنون بها في خلواتهم، فيكون ذلك وسيلة لتذكرها. وليس ذلك قاصرًا على الفقه فقط، بل نظمت أكثر العلوم، فالعروض والنحو والصرف والبلاغة والمنطق والعقيدة وأصول الفقه والفرائض كلها قد حظيت بنصيب وافر من النظم. بل نظمت كثير من حوادث التاريخ وقواعد الحساب والفلك، واتجه بعض النظامين إلى كتب معينة فنظمها، ولعل نصيب الفقه كان وافرًا من ذلك، فمختصر الخرقي مثلًا قد نظمه عالمان جليلان:
أحدهما: فخر الدين ابن هبيرة، أخو الوزير ابن هبيرة المتوفى سنة ٥٦٧هـ.
والثاني: يحيى بن يوسف الصرصري المتوفى سنة ٦٥٦ هـ.
1 / 19
وكتاب زاد المستقنع للحجاوي، قد نظمه كثير من علماء الحنابلة، منهم:
١ - الشيخ محمَّد بن قاسم آل غنيم المتوفى سنة ١٣٣٥ هـ، وقد بلغ عدد أبيات منظومته ٤٨٩٢ بيتًا.
٢ - الشيخ سليمان بن عطية المزيني المتوفى سنة ١٣٦٣ هـ.
٣ - الشيخ سعد بن حمد بن عتيق. وسماه: "نيل المراد بنظم متن الزاد". وقد وصل فيه إلى كتاب الشهادات، وأتمه بعد وفاته فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز آل سحمان، القاضي بمحكمة التمييز بالرياض.
وقبل أن ألقي الأضواء على مفردات أحمد من خلال هذا الكتاب، أرى أنه من الأحسن الإشارة بإيجاز إلى طبيعة منهج أحمد الفقهي، والأصول التي اعتمد عليها أحمد وتلاميذه في تكوين المذهب الحنبلي فأقول:
منهج الإمام أحمد في الفقه:
إن الإمام أحمد ﵀ إمام أهل الحديث في زمنه بلا منازع، شهد له بذلك شيوخه وأقرانه وتلاميذه.
قال عبد الرزاق الصنعاني: رحل إلينا من العراق أربعة من رؤساء أهل الحديث، الشاذكوني: وكان أحفظهم للحديث، وابن المديني: وكان أعرفهم باختلافه، ويحيى بن معين: وكان أعلمهم بالرجال، وأحمدُ بن حنبل: وكان أجمعهم لذلك كله (١).
وقال وكيع بن الجراح: ما قدم الكوفة مثل هذا الفتى، يعني أحمد بن حنبل (٢).
_________
(١) مناقب الإمام أحمد ٩٧.
(٢) المرجع السابق ٩٩.
1 / 20