============================================================
العقل عندهم إذا أدرك الحسن والقبح يوجب بنفسه على الله وعلى العباد مقتضاهما. وعندنا الموجب هو الله تعالى يوجبه على عباده، ولا يجب عليه سبحانه شيء باتفاق أهل السنة والجماعة. والعقل عندنا آلة يعرف بها ذلك الحكم بواسطة إطلاع الله تعالى العقل على الحسن والقبح الكائنين في الفعل.
والفرق بيننا وبين الأشاعرة أنهم قائلون بأنه لا يعرف حكم من أحكام الله إلا بعد بعثة نبي، ونحن نقول: قد تعرف بعض الأحكام قبل البعثة بخلق الله تعالى العلم به، إما بلا كسب كوجوب تصديق النبي ل وحرمة الكذب الضار، وإما مع كسب بالنظر والفكر، وقد لا تعرف إلا بالكتاب والنبي عليه الصلاة والسلام كأكثر الأحكام.
وقال أئمة بخارى: عندنا لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل البعثة كقول الأشاعرة؛ وحملوا المروي عن أبي حنيفة رحمه الله على ما بعد البعثة. قال ابن الهمام: وهذا الحمل ممكن في العبارة الأولى دون الثانية، إلا أنه قدر في تحريره أنه يجب حمل الوجوب في قوله لوجب عليهم معرفة الله بعقولهم على معنى ينبغي (1)، فحمل الوجوب على المعنى العرفي هو الأليق والأولى، لأن تسمية الأفعال طاعة ومعصية قبل البعثة تجوز إذ هما فرع الأمر والتهي، فإطلاق الطاعة والمعصية قبل ورود أمر ونهي مجاز من قبيل إطلاق الشيء على ما يؤول إليه فكيف يتحقق طاعة أو معصية قبل ورود أمرونهي؟
قال ابن الهمام: بل يجوز العقل العقاب بذكر اسمه شكرا، فلولا أنه سبحانه أطلق بفضله ذكر اسمه سمعا ووعد عليه آجرا حيث قال سبحانه: () التحرير ص 313- 314.
Halaman 309