Dari Belakang Teropong
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Genre-genre
وبدأ هو الكلام فقال: «قهوة ولا قرفة ولا شاي يا سعادة البيه؟» واعتذرت شاكرا فما زاده اعتذاري إلا إلحاحا، بل وتوسلا أن أتنازل فآخذ شيئا مما ذكر، ولست أدري ماذا كان بلغ من قوة إلحاحه، بل قوة تراجعه لو تبين على وجهي أمارة القبول، على أني - والحق يقال - لم أر في وجهه إلا أنه جاد، وإلا فبما يفسر هذا التوسل الذي ما فتر والذي لم ينته في الوقت نفسه آخر الأمر إلى شيء؟
وابتسمت وتواضعت وتصنعت الحياء وقلت في رفق يتناسب مع ما لقيت من ظرف: «لعلك انتهيت من مسألتي.» فقال: «أيوه يا فندم قربنا ... حالا إن شاء الله، الحكاية كثرة عمل والمدير كل ساعة يطلبنا، وكل عام وأنت بخير إجازة المولد ... على كل حال كن مطمئنا إحنا محاسيب يا فندم ...»
وجاء أحد السعاة فاستدعاه لمقابلة المدير، فنظر إلي كأنما يقول هكذا لا يني المدير عن طلبه، وأخذ في يده مجموعة من الأوراق كان ينظر إليها في اهتمام، واستأذنني وهو يرجو أن يعود فلا يجدني.
وجلست أنا متعجبا حائرا كيف يكون هذا الذي أرجو منه حل مسألتي محسوبا لي، وهو لا يعرفني كما ذكرت إلا من ترددي عليه؟ وتنازعني الضحك والغضب، فأما الضحك فمن هذه الحركات «البهلوانية» المحكمة؛ وأما الغضب فلأنه يظن أني لست أفهم أنه يسخر مني، دع عنك إهمال أمري الذي استمهلني آخر مرة جئته فيها من أجله ثلاثة أيام، فما عدت إليه منذ ذلك اليوم إلا بعد ثلاثة أسابيع، ومع ذلك يقول: «قربنا» والمسألة في غير مبالغة لا تستغرق منه أكثر من ربع الساعة!
وعاد فوجدني لا أزال في موضعي، فتلاقى في وجه التجهم والابتسام في وقت واحد، وهو من كثرة مرانه يعرف كيف يبتسم بأحد صدغيه، ويتجهم بالصدغ الآخر ... ثم غلبت ابتسامته تجهمه في أسرع من ارتداد الطرف، ونظر إلى من ابتسم إليه من أصحاب الديوان ابتسامة فهمت منها أنهم يضحكون منه؛ لأنه لم يستطع أن يصرفني أو يضحكون من أني على الرغم من ألاعيبه بقيت ثابتا لا أتحول.
وجاء شخص غيري رقيق الحال يلبس جلبابا عليه معطف يسأله هو أيضا عن مسألته، فقال في نفس ظرفه وأدبه: «حاضر يا عم - إن شاء الله - تجينا بعد يومين تكون مبسوط.» ولما شكا الرجل وغضب قال له باسما: «حلمك يا بويا إن الله مع الصابرين قلت لك: إن شاء الله تكون مسرور.» ولما أدار الرجل ظهره لينصرف نظرت إلى صاحب الديوان، فإذا به يخرج له لسانه، وابتسم ابتسامة عريضة وضحك من رآه من أصحاب الديوان، وكثيرا ما أضحكهم بمثل هذه الأمور كما قرأت ذلك على وجوههم.
واتجه إلي قائلا: «شرفت يا بيه.» وفهمت معناها فليست إلا مطالبة بالجلاء، وهممت أن أنصرف، وقد تأكد لي ما سبق أن عرفته من أن الأوراق عند أصحاب الدواوين قسمان، قسم يعلم به المدير أو الرئيس، وهذا هو الذي ينجز ويعد، وقسم لا علم للرئيس به، وهذا لا يتناوله أصحاب الديوان، ولو بمجرد القراءة، وعلى مصالح الناس ألف سلام!
وسلمت فنهض يصافحني في ظرفه ولباقته، وهو يقول: «ما تأخذناش يا بيه، والله الواحد خجلان ... حالا إن شاء الله.» ومضيت ولكني التفت عند الباب أنظر إليه، فلست أدري لم ألقي في روعي أنه ظل يخرج لي لسانه منذ ودعته.
صاحب الديوان المجد
مجد في عمله، لا يعرف في جده هوادة؛ فإذا رأيته يقرأ جريدة من الجرائد أو مجلة من المجلات، فمن أعظم التجني عليه أن تحمل عمله على أنه مضيعة للوقت في غير جدوى، فما هو إلا استجمام لا بد منه لمن يعاني مثل عنائه المتصل؛ وإذا رأيته يبدأ عمله عند العاشرة أو في منتصف الحادية عشرة، فاعلم أن ذلك من أثر إجهاده نفسه وتحامله على أعصابه في اليوم السالف، لا شيء غير ذلك، وإذا رأيته يتزاور عن مكتبه، فيحرق دخينة في أثر دخينة، أو يرتشف القهوة في هدوء وسكون، ويقضي في ذلك ساعة أو بعض ساعة، فترفق بهذا الجسم الذي أنهكه الجهد، ولا تأثم فتظن بصاحبه الظنون.
Halaman tidak diketahui