Dari Belakang Teropong
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Genre-genre
وعجبت مما أسمع وازددت تطلعا إلى معرفة ما يحزنها، فما أشد ما يؤلم النفس مرأى الجمال الحزين، وأنصت إلى فاطمة وقد ألقي في روعي أنها سوف تكشف هذا السر ...
وقالت فاطمة، وقد خرجت صاحبتها من الماء بعد أن ملأت الجرتين، وجلست مستندة إلى جذع شجرة: فيم هذا الهم يا أختاه وغدا ليلة الحناء؟
وحاولت بهيجة أن تبتسم، فما افتر ثغرها الجميل حتى انطبق، وامتلأت مقلتاها الساحرتان بالدمع، وتساتل الدمع فجرى فوق خديها، ثم دفنت وجهها في كفيها وأجهشت إجهاشة كادت تطلق الدمع من عيني ... وما أيسر ما ينطلق دمعي فلا أمسكه إلا بجهد ...
وأمسكت فاطمة عن الضحك وراحت تهدهد صاحبتها، وتقول: لعل الخير فيما تكرهين، وما عيب حسن وهو ابن الجمل والناقة، في بيته الخير وزوجات إخوته من أحسن البيوت، وإن لم يكن جميلات، وسوف تكونين أنت زينة الدار ... وبأي شيء يمتاز إبراهيم عنه؟ وكيف تقوى الواحدة منا على مخالفة أبيها؟ رأى أبوك أن يزوجك من حسن فهل تعصينه؟ وما جدوى البكاء وقد صرت في عصمته؟
وأثار كلام فاطمة حزنها كله فاسترسلت في بكائها، وصحب هذا البكاء أنين متقطع، كأنما كان ما ألقي في سمعها من كلام طعنات خنجر شاعت في جسمها كله ففي كل موضع منه طعنة ... ونظرت في وجه فاطمة تحسب أنها من أعدائها، ورأيت في وجهها كأنها تريد أن تري فاطمة ما تعتزم من عصيان ...
ولمحتني فاطمة من خلال الصفصاف، فغمزت صاحبتها وهمست في أذنها، ومسحت بهيجة عينيها بذيل ثوبها الأبيض الذي سحبته من تحت ردائها الخارجي الأسود، وأصلحت الفتاتان حويتيهما ووضعتاهما على رأسيهما ومر رجل فأعانهما على حمل جرتيهما وانطلقتا صوب القرية ...
ولاحظت على بهيجة أنها لا تكاد تقوى على حمل جرتها، فكانت خطوتها أثقل من خطوات صاحبتها، وكان عودها اللدن يتثنى من إعياء لا من عجب تحت جرتها الثقيلة، وما زلت أتبعها بنظراتي حتى غيبتها عني في منعطف عيدان الذرة ...
وبقيت ساعة يكرب نفسي ما يحزن بهيجة، كما تكدر خاطري طيوف منكرة سوداء من السم والحريق والقتل، وإتلاف الزرع من جرائم الريف يمثلها لي هذا السبب الذي سمعته بأذني؛ وطاف برأسي الطلاق والنفقة والهجر والخصام، وبيت الطاعة والمعارك بين الأسر، بله ما روعني من صورة الخيانة والفجور وغيرها من أفعال الظلام، وما تجره في أعقابها من شر وانتقام، كل أولئك مثلته لي ثورة بهيجة ...
زهرة وزهرة ...
جلست أنتظر في حجرة مدير المكتب حتى يأتي دوري، فيؤذن لي بالدخول على كبير من أصحاب الديوان في إحدى الوزارات، وكانت الحجرة ملأى بالمنتظرين مثلي؛ وكلما رن الجرس وأسرع المدير إلى الحجرة المهيبة وخرج منها، تأهب كل امرئ يحسب أن الإذن له، فيشير المدير إلى من يعرف، وينادي اسم من لا يعرف، فيصلح الداخل حلته ويزرها ويعدل رباط رقبته، وقد ينزع طربوشه ويمسحه بمنديله أو بطرف ردنه، ويضعه على رأسه في اهتمام، ويدق الباب في احتشام، ويدخل ثم يخرج بعد حين وعلى وجهه غبرة أو ابتسامة ... وكان يقع منظاري على هؤلاء، وأنا أحمد الله أن لم تكن بي حاجة إلى هذا الكبير، فما جئت إلا لأقدم إليه «كتابي» ...
Halaman tidak diketahui