Dari Belakang Teropong
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Genre-genre
وجذبته من ذراعه وسرت معه خطوات حتى وقفت به في الشارع المجاور، وهو شارع الفلكي، وقلت له: أنت الآن تتجه «بحري» فأين يدك اليسرى؟ ومد إلي يده اليسرى في سذاجة، فقلت: تظل ماشيا في هذا الشارع إلى أن تجد بيتا كبيرا يقف ببابه، ويقع عن شمالك، عسكري مثلك، فاسأله أين البيت المطلوب ...
وانطلق العملاق يتمتم بكلمات ولعله كان يستنزل لعنة الله على من كلفوه ما لا يطيق؛ وعدت إلى مكتبي ومراجعي وأنا أقول لنفسي: هذا وأمثاله هم حفظة الأمن والنظام، وهذا وأمثاله من يستلم المرء محضرا حقا إذا انتهرهم أو ضاق بهم فدفعهم من طريقه أو من مدخل داره ... هذا وأمثاله وليسوا قليلين هم شرطتنا، ألا متى يفهم القائمون بالأمر، حفظة الأمن الكبار - حفظهم الله - أن تغيير هذا الصنف كله بات من أوجب الواجبات؟
أنا وكيل نيابة
أعيذ فطنتك أيها القارئ أن تحسبني ظفرت فجأة بهذا المنصب الخطير، الذي يجعل لي من السلطان أن أقبض على من أشاء في أي وقت أشاء، فما كنت وربك إلا صاحب هذا القلم المتواضع، وصاحب هذا المنظار اللعين الذين يأبى إلا أن يقع بي على ما لست أحب ... ولكنه عنوان اقتضاه المقام.
هذه مواقف ثلاثة من مواقف التحمس، ولكنه تحمس رسمي والعياذ بالله، فيه قبض وتحقيق وحبس، أو هكذا ظهر لي ولمن شهده من الناس، ولقد سمعت هذه العبارة التي جعلتها عنوانا لكلمتي هذه بنصها وحروفها في كل من هاتيك المواقف الثلاثة.
شهدت الموقف الأول وسمعت هذه العبارة، وهممت أن أكتب ولكنني آثرت العافية وأنف المنظار في الرغام؛ ثم لم يكد يمضي يومان حتى وقع منظاري على الموقف الثاني وسمعت نفس الكلمة، فجمعت أطراف شجاعتي ولكني ما كدت أشرع القلم حتى عدت فآثرت العافية واستعذت بالله من الشيطان ... ويأبى منظاري اللعين إلا أن يريني الموقف الثالث حيث سمعت العبارة بنصها، وعندئذ لم يبق لي إلا أن أشهد على نفسي بالجبن أو أكتب، فآثرت الثانية، فوالله للضر مع الشجاعة خير من العافية مع الجبن، وما كانت العافية لتدوم يوما لجبان ...
أما الموقف الأول فكان في عاصمة إحدى المديريات، وهناك سيارة عامة كبيرة، لا يريد سائقها أن يبرح بها مكانها إلا أن تمتلئ بالركاب حسب العدد المقرر، ولم يكن ينقصه لتمتلئ إلا ثلاثة أو أربعة؛ وجاء شاب حدث في نحو الخامسة والعشرين يخطر في مشيتة خطرة من يريد أن يشعر الناس بعظم مكانته، وكان الوقت موعد الانصراف من الدواوين، فما إن وضع رجله على سلم السيارة ليركب حتى أهاب بالسائق أن ينطلق بالسيارة، ثم أثبت في وجهه نظرة حادة إذ رأى منه شيئا من عدم المبالاة؛ ورد السائق بقوله: «حاضر لما يتم العدد.» وثار الشاب وصاح بالسائق: «هيا، اسمع الكلام.» ولم يزد السائق على أن ينظر إليه متعجبا، ودق الشاب بيده على زجاج السيارة وهو يقول في تحمس شديد: «أتدري من يكلمك؟ أنا وكيل نيابة ال...» وقال السائق وقد داخله شيء من الرهبة: «يا سيدي حاضر كلها نفرين أو ثلاثة.»
ووثب الشاب من مكانه ونادى أحد «الكونستبلات» وأمره بالقبض على السائق معلنا له وظيفته. وما كان أشد عجب هذا الشاب وعجب الركاب والسائق قبلهم جميعا بالضرورة، حين سمعوا هذا الشرطي يقول: «وإيه يعني وكيل نيابة؟!» ... وكأنما سرت هذه الكلمة عند الناس فانبعثت ضحكاتهم على الفور عالية مجلجلة ...
ونادى الشاب وقد بلغ حنقه غايته أحد العساكر، وكان هذا يعرفه فأسرع نحوه وحياه التحية العسكرية، فأصدر إليه أمره بالقبض على «الكونستبل» بتهمة إهانة النيابة، وسبقهما إلى مقر التحقيق ونجا السائق المسكين، وهكذا مصائب قوم عند قوم فوائد.
أما الموقف الثاني فقد شهدت شابا كذلك يثب في أول ميدان باب الخلق، فيدرك الترام ويتعلق به، ثم يقف بباب الحريم لا يتزحزح ولا ينحرف، يميل طربوشه ويبرز طرف منديله فيتدلى على صدره، ويضبط ربطة عنقه، ويصف شعر فوديه، ويرسل النظرات الحادة إلى داخل المكان، حتى جاء المحصل فنبهه في هدوء إلى ما لا يحمد من وقفته هذه، فقال في غضب وعنف وتحمس شديد: «موش شغلك ... اسكت.» ونفخ المحصل في زمارته متحمسا كذلك فوقف الترام؛ واشتدت حماسة المحصل واستغنى عن التلميح بالتصريح. وجن جنون ذلك الشاب ونزل وأمسك بذراعه وهو يقول: «أتدري من تكلم ... أنا وكيل نيابة.» وأخذ المحصل شيء من الخوف إذ أشار هذا الشاب إلى أحد العساكر ليقبض عليه، وتدخل بعض الناس، وقبل الشاب بعد لأي شفاعتهم وترك المحصل قائلا له في كبرياء الظافر الذي يعفو عن قدرة: «أما بارد قليل الأدب صحيح.» وتعلق المحصل بالترام، وهو يقول إذ يدق كفا بكف: «أنا البارد القليل الأدب؟»
Halaman tidak diketahui