Dari Celah-Celah Kegelapan: Cerita Seorang Tahanan yang Paling Mengganggu adalah Bahwa Ia Belum Berakhir
من شقوق الظلام: قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد
Genre-genre
سرد كل ما يمكن له أن يلقيني في غيابة الجب العميق وأنا أنظر إليه فاغرا فمي وكل شيء في أصابه الجمود، تلاشى كل شيء في ومن أمامي، واستحال أمري إلى خواء، بل إلى عدم. اختفى هذا المعتقل كما جاء بسرعة خاطفة لكنه لم يغادر هذه الغرفة وحسب، بل خرج من كل حياتي وطويته إلى الأبد في خانة المهملات.
بم سأحدثك الآن يا صاحبي؟ هل أقول لك إن جرح الخيانة لا يمكن له أن يندمل ولو جئته بكل عقاقير الأرض والسماء ؟ لن تنفع يا صاحبي مع الخيانة القرابين والنذور التي سوف تقدمها للآلهة، ومهما زين لك رضاها فلن أرضى والأمر يعنيني أنا وحدي ولا يعنيها، إلا بمقدار ما انتهكت من سر وخنت عهدا وخرقت موثقا كانت السماء شاهدة عليه. هل أقول لك: إن الخيانة ذنب غير قابل للتكرار؛ لأن صاحبه به يموت ولن يقوم بعدها أبدا ولو لمسه يسوع الناصري بكل سلطانه. ألم يقل لك أحد من قبل: إن عشبة أتونابشتم الحكيم وسر الخلود فيها لا تمنح الحياة لأحد، إلا للأفاعي؟ ألم يقولوا لك إن بناء أوروك وحده هو الذي يمنح البشر الخلود؟ لماذا معولك يهدم أوروك يا صديقي؟ هل تفعل كل ذلك حقا لأجل عشبة ستفقدها في أول استراحة وتسرق منك مع أول إغماضة جفن وغفلة عين؟ كم أشفق عليك! لن أحقد عليك أبدا، ولا أحاول أن أكرهك ولو للحظة واحدة، فتلك مشاعر تليق بالأنداد، أما أنت فقد حزمت حقائبك ورحلت عنهم اليوم إلى أرض لا إياب منها أبدا. الذي كان يجمعنا انفرط، وطرف الحبل الذي ما يزال معقودا في فؤادي يمده بالدم أنت فككته، كيف أوهمت نفسك أم أوهمك آخرون أن الفؤاد يمكنه العيش بلا دماء؟
قد مات قلبك يا عزيزي، ومن مات قلبه ما عاد إنسانا وإن عمر ألف سنة أو يزيد. وداعا يا من كنت صاحبي، لن يصل إليك صوتي، ولن تحمل الكلمات أيا من مشاعري إليك، لا حبا ولا بغضا ولا أي شيء، تهاوت كل القناطر والجسور بيننا وصرنا على ضفتين متباعدتين ما بينهما هوة سحيقة بحجم لا نهائية الكون المتباعد والمتوسع في كل حين.
بعد أن خرج صاحبي الذي أدلى باعتراف كشف فيه المستور وأزاح الحجاب عن المخبوء، التفت إلي مفوض الأمن، وقال بنبرة تهديد مرعبة: «الآن ماذا تقول؟»
جمدت الدماء في عروقي من هول المفاجأة وحجم الخيانة التي لم أجد لها مبررا حتى اليوم؛ فكل شيء كان بالإمكان تجنبه، بل أصلا لم يكن هناك شيء موجود حتى يتجنبه. تطوع مجانا لإلحاق الهزيمة، وهكذا تخسر المعارك، عندما يملأ الرعب قلوبا خاوية تشم الوحوش رعب ضحاياها وتنقض عليها تنهش لحمها وعظمها وتتركها جيفة في العراء.
حفلات التعذيب التي راقصت فيها بمهارة كل براعة الجلادين انتهت الآن بجلسة صغيرة، وأضحيت عاجزا حتى عن مراوغة سلحفاة ميتة. خارت قواي دون أن يمسني أحد، مادت بي الأرض ولم تعد قدماي تحملاني وهن اللاتي حملاني وأنا معلق في الفضاء. بلغ بي الوهن مداه والضعف غايته فانحنيت خاضعا ذليلا منكسرا، ولأول مرة سألت جلادي شربة ماء بعد أن جف حلقي وتيبست حنجرتي. اختنق صوتي ولم يسمح لي حتى برشفة ماء واحدة؛ فقدت توازني بالكامل، ولم أعد أسيطر على عقلي. طلبت منه هذه المرة أن يسمح لي بالجلوس، فأبى مستنكرا ذلك علي. عرف أنها فرصته المثالية لتوجيه الضربة القاضية فاستغلها حتى الثمالة. - «اعترف أنك منهم وسوف أعطيك ما تريد وإلا ...» (كلمات نابية). - «نعم، عملت معهم.»
بالغ في إذلالي وأنا أضحيت ذليلا بذاتي بلا حاجة لمن يذلني، أصبحت خاويا تماما من الأفكار والمشاعر، وصار القبر أحلى أمنية لي في تلك اللحظة، ليت الأرض تفعل ذلك فتبتلعني أو السماء تستعجل أمري. ما الحياة إلا الحرية والعزة وخلا ذلك موت، واليوم تجردت منهما. تلك اللحظة التي لا يمكن لي نسيانها؛ لأنها كانت أشد اللحظات وقعا علي وأكثرها إيلاما في كل سنوات السجن العشر. كنت أرى نفسي قبل سويعات مثل أخيل لا تنال منه السيوف ولا الرماح، والآن سهم واحد يقتلني وهكتور الذي صرعته بصمودي يضحك ساخرا مني، فقد بان كعبي ونال سهم باريس المبتغى. ها قد نفذ السم فما عادت تحملني قدماي، طلبت ماء أروي به عطشا لا يروى فأعطوني قلما وورقة تقيأت عليها إمضاء مرتبكا يمحو نفيا وإصرارا عمره خمسة أسابيع.
كتب المفوض كلمات لم أقرأها وطلب مني التوقيع، لا أدري ماذا كتب، ولم أكن بحاجة لذلك؛ لأنها كيفما كانت فهي لن تكون سوى صك إعدام مؤكد. فكيف لك أن تبقى على سطح الأرض وأنت تعترف أنك في خلية حزب معارض في بلد لا يؤمن حكامه إلا بحزب واحد وفكر واحد وقائد واحد؟ وما خلا ذلك فهو حثالة لا يؤمن بها إلا متآمر أو خائن.
دخلت على أصحابي متلاشيا، لكن أيضا على وجهي ضحكة تشبه ضحك أبله مجنون. وقف أمامي واحد من الذين كان يشاركونني الزنزانة، وبعد أن استفهم عما جرى وفهم الذي حصل سألني باستغراب وحيرة: «كيف تضحك وقد أعطيتهم صك الإعدام؟»
لم يفهم ضحكتي الحنظل وشعرت بالأسى مرتين، مرة عليه لأنه كان ضحية لا ناقة له ولا جمل فيما أنا وصحبي فيه، ومن العسير جدا علي أن أعطيه درسا عن الشعور بالهزيمة التي تحل بثائر رومانسي حالم في لحظة نشوة بخمرة الانتصار، ومرة أخرى على نفسي فكيف سوف أزدرد كل هذا الحنظل وحدي؟ إن مرارته أقسى من كل ما قرأت وسمعت وحتى أكثر مرارة من لحظة فراق الروح للجسد والعبور إلى ضفة المجهول على كل ما يتحدثون عن مرارتها ويقولون. لعل الموت كان شهدا لو قورن بما حصل لي للتو.
Halaman tidak diketahui