Dari Penghijrahan ke Ciptaan: Penulisan
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
Genre-genre
وبصرف النظر عن مصادر ابن سينا، مدونة أو شفاهية، إعلانه أو صمته عنها، فإن الإحالة إلى التراث الطبي السابق لا تعني النهل منه أو الاعتماد عليه أو تقليده بقدر ما تعني معرفة الحالة الراهنة لعلم الطب والدراسات السابقة فيه، بصرف النظر عن مصدره، شرقي أو غربي، هذا الطبيب أو ذاك؛ فلا جديد بلا قديم، ولا تجديد بلا تراث، ولا إبداع بلا نقل. وتقدم العلم مرهون بمعرفة آراء السابقين ثم نقدها وتجاوزها، ونقل العلم ذاته من مرحلة أولى إلى مرحلة ثانية. العلم تراث متصل لا انقطاع فيه.
46
ولا يوجد تراث طبي عظم تراث السابقين عليه كما فعل التراث الطبي الإسلامي، ويتضح ذلك من الألقاب التي أعطيت لأطباء اليونان؛ جالينوس الفاضل، فاضل الأطباء، الحكيم الفاضل، ديسقوريدس الحكيم، الحكيم الفاضل، روفس الحكيم، أركيغانس الحكيم، أبقراط مقدم الأطباء. ليس لقب الحكيم وقفا على أرسطو. ولقب الفاضل لقب علمي يجمع بين العلم والأخلاق، النظر والصدق، الحكمة والأمانة، مثل الفاضل من المهندسين. وأحيانا يذكر الأطباء بلا ألقاب كأسماء فرضت نفسها على تاريخ العلم دونما حاجة إلى تعظيم وإجلال.
47
وبتحليل مضمون الأفعال التي تذكر قبل أطباء الوافد، خاصة جالينوس وأبقراط، يتضح تنوعها بين أفعال الذكر والتسمية والنسبة والحكاية والظن والرأي والشهادة والزعم، وأن أقلها ذكرا هي أفعال القول. يتعامل ابن سينا مع التراث الطبي السابق، ويراجعه، ويتحقق من صدقه، وليس مجرد راو أو ناقل له. تعني البداية بجالينوس البداية بالتراث الطبي الإنساني؛ فهو أول من عرف تشريح أصابع الرجل، وأول من دل على وجود العناية والحكمة في البدن بالعقل الخالص والتجربة الطبيعية، وإن لم يسندها إلى الوحي الذي لم يبلغه. ويقارن بين رأي جالينوس ورأي الفيلسوف الأول دون الإفاضة فيه؛ فقد اختلف أرسطو وجالينوس في سبب الشيب؛ فهو عند أرسطو الاستحالة إلى لون البلغم، وعند جالينوس النكرج الذي يلزم الغذاء الصائر إلى الشعر. ويقارن جالينوس بديسقوريدس في الأدوية المفردة دون تبعية لأحدهما دون الآخر. كما يتحقق ابن سينا من صدق الرواية التاريخية التي تنسب إلى جالينوس كما هو الحال في علم الحديث؛ فقد يكون الخطأ في السند أو في المتن. ولا يحال إلى أطباء اليونان فقط فيما أوردوه، بل أيضا فيما لم يثبتوه إحساسا بالإضافة إلى ما قاله القدماء والزيادة عليهم بما تركوه. ويميز ابن سينا بين القول الخاص والقول العام؛ فمع أن جالينوس له رأي خاص في حالة خاصة إلا أنه يطلق الحكم، وهو غير سديد. يراجع ابن سينا الأحكام ويقارن بين موضوعاتها حتى يخصص العموم أو يعمم الخصوص، كما هو الحال في علم أصول الفقه.
48
ويشير ابن سينا إلى أرسطو وإلى أطباء اليونان لبيان الفرق بين الأسماء والمسميات؛ فربما كان التمايز بين الموروث والوافد في الأسماء لا في المسميات؛ فأرسطو أول من أطلق على الشريان الأكبر اسم أورطى. وقروح العين سبعة أنواع، أربعة منها في سطح القرنية يسميها جالينوس قروحا. كما يسمى الدواء باسم الطبيب، مثل الصابون المنسوب إلى أسقليناوس، والدواء المنسوب إلى قسطيطيبوس، وكان لأبقراط تسمياته الخاصة. ولا يذكر ابن سينا «قال جالينوس»، بل يدخل في أفعال الشعور وأنماط الاعتقاد، مثل الظن والتوهم والرأي والزعم، أو من أجل الحسم واستعمال أفعال الجزم واليقين. يصف ابن سينا ما يسبق وهم جالينوس، وينقد زعمه وزعم ديسقوريدس. ويراجع بنفسه التجارب كي يتحقق من صدق أقوال جالينوس أو أبقراط ومن منافع أدوية ديسقوريدس. ويذكر تجارب السابقين ويراجع على أقوالهم. والقول عبارة لها معنى وتحيل إلى شيء في العالم، وليست مجرد ألفاظ منقولة وفهم يتم نقله من حضارة سابقة إلى حضارة لاحقة لإثبات إبداع السابق وتبعية اللاحق، كما هو الحال في الاستشراق القديم. كما يصف ابن سينا ما يصفه جالينوس، ويشاهد ما يشاهده حتى يمكن التحقق من صدق القول. ويذكر السابقين ليس تبعية لهم، بل مراجعة لأحكامهم ونقدا لتراثهم وبناء عليه وتطويرا له. «ويبين جالينوس»؛ أي إن عين ابن سينا على الشيء المرئي، ثم ينقلها على العبارة المقروءة، ثم يحكم على قصد جالينوس وهو البيان. «يرى جالينوس» مع ابن سينا تعني أن جالينوس هو الشاهد على رؤية ابن سينا، وليس ابن سينا هو الشاهد على رؤية جالينوس؛ فالإشارة إلى جالينوس لا تعني تبعية ابن سينا له، بل شهادة جالينوس له كحجة من التاريخ، وتواتر مصدق بين العلماء. وتكون الإشارة إلى أفعاله وليس فقط إلى أقواله، كما هو الحال في تقسيم السنة إلى قول وفعل وإقرار، وبناء عليه يرفض جالينوس هذا الشراب أو ذاك. ولا يتردد ابن سينا لحظة في تخطئة جالينوس أو بيان تناقض مذهبه، وقد يكون أعلم بمذهب جالينوس من جالينوس نفسه.
49
أما بالنسبة إلى الموروث فلا يذكر ابن سينا التراث الطبي السابق عليه؛ لأنه كعادته في موسوعاته الثلاث صامت على مصادره، محاولا تجاوز التاريخ إلى البنية، والتحول من النقل إلى الإبداع، على عكس الرازي الذي يذكر التراث الطبي النصراني الذي كان حلقة الاتصال بين الطب اليوناني والطب الإسلامي. ويستثني ابن سينا من ذلك الكندي والرازي. يذكر الكندي باعتباره طبيبا، ولكن في أغلب الأحوال باعتباره حكيما طبيعيا مستمدا منه بعض المصطلحات العربية الموروثة للعلل الأربعة، المادية والفاعلية والصورية والتمامية، وهي الغائية كما استقر الأمر عليها فيما بعد. كما يحيل إلى حنين بن إسحاق الطبيب، وليس المترجم، معتمدا عليه في جمع مادته الطبية. ولا يشير إلى علوم إسلامية نقلية أو عقلية نقلية أو عقلية خالصة عند متكلم أو صوفي أو أصولي، بالرغم من تعرضهم أيضا لبعض الجوانب الطبية، مثل حديث المتكلمين عن الجسم، والصوفية عن الحواس، والأصوليين عن المنافع والأضرار البدنية في الطهارة، كما لا يشير إلى محدث أو فقيه أو مفسر يروي مأثورات الطب النبوي.
50
Halaman tidak diketahui