وأسف الناس إذ قرءوا ما قرءوا، وإن بعضهم ليسأل بعضا عن السر، ولكن شخصا واحدا كان يعرف السر، وكان يبتسم ...!
حقيبة الذكريات
في حارة «قصر الشوق» من حي الجمالية بالقاهرة، وإلى الشمال الغربي من مسجد «أبي عبد الله الحسين» حيث لا تزال القاهرة التي بناها المعز قائمة في هذه القباب والمآذن، وتلك الدروب والمسارب، وهذه الدور الرحيبة المتقادمة التي تفضي إليها من باب إلى باب إلى أبواب. ... هناك، حيث التاريخ الغابر ما يزال حيا ناطقا في كل ما تقع عليه العين من مشاهد وآثار وناس، كأنما اجتمع تاريخ مصر الإسلامية كله في زمان ومكان، فلا يزال النظر يتنقل من منظر إلى منظر يذكر بالماضي كعهده يوم كان، من جيل إلى جيل إلى أجيال ... ... هناك، حيث لا تزال ترى وتنظر ألوانا من الناس في سمات وأزياء وملامح، كأنما تشهد بقايا من سلائل الفاطميين وأبناء المماليك وجند السلطان سليم ... ... هناك في هذا الحي نشأ توفيق ...
تراه، فلولا طربوشه الأحمر ولسانه العربي لحسبته واحدا من أولئك السياح الأجانب الذين يفدون إلى بلادنا كل شتاء للدرس أو للرياضة. أما أبوه فله في الحي جاه واعتبار، وإن له ميراثا من تاريخ هذا الحي العريق يمتد إلى أجيال، منذ دخلت مصر جيوش السلطان سليم. وأما أمه فنازحة من دمياط، فلعلها بقية من سلالة بني أيوب. وأما هو فإنه ابن أمه وأبيه ...
ونشأ نشأة أهله على صلاح وتقوى ودين، لا يعرف له طريقا إلا إلى المدرسة أو المسجد، فلم يعبث به الهوى مرة ولم يغتره الشباب ...
وأتم في التعليم مرحلتين، فأراد أبوه أن يلحقه بالجامعة، ولكن ميراثا في دمه كان يزين له ركوب البحر، فسافر إلى إنجلترا ليدرس فنون الملاحة ويتهيأ لما أراد ...
وانتقل توفيق من جو إلى جو: من الجمالية في ظلال القباب والمساجد وأضرحة الأولياء، إلى دنيا الهوى ومسارح اللهو وملاعب الجمال ... ورأى، وسمع، وعرف ...
ونظرت إليه جارته الحسناء، فما كانت إلا نظرة وجوابها حتى كانا ذراعا إلى ذراع ...
وعاد توفيق إلى غرفته في الفندق وقد أوشك الصبح، وإنه من صاحبته على ميعاد، وكأنما كان في حلم فاستيقظ، فلم يأو إلى فراشه إلا بعدما أخرج دفتره ليكتب في مذكراته. إنها لحادثة جديرة بأن يذكرها في تاريخه. ثم أغمض عينيه ونام ...
وعرف توفيق منذ اليوم أن في الحياة أشياء غير ما كان يعرف ...
Halaman tidak diketahui