ودنا الأمل الموعود.
كان العام قد استدار، وأخذت زهرات الربيع تتفتح ويضوع أريجها في الجو، ولكن قطرات من الندى كانت تبللها كدمعة الحزن في وجه عذراء يخضبه الخجل، ولكنها تبتسم؛ أكانت تصطنع الابتسام لتخفي عن الناظر بعض ما في صدرها من هم، أم كانت هذه دموع الفرح على وجنتيها ...؟
وأطل الفتيات من النوافذ يتعرفن خطيب «العروس» خارجا من دارها في جماعة من أهله، ورأين بضعة من الرجال عليهم سيما السراة من أهل الريف، في جلابيبهم الفضفاضة، ومعاطفهم السود، يلوون ألسنتهم بالحديث في لهجة جديدة على أهل الحضر، وبينهم «أفندي» واحد يبدو من مظهره ونظام لباسه أنه - وإن عاش في المدينة طويلا - ما يزال بعض أهله!
وقالت فتاة لأختها: أهو هذا؟ - بل هو ذاك!
ولم يكن هذا ولا ذاك، ولكنه خرج بعد انفضاض الجمع يتوكأ على نفسه من ثقل وبدانة حشو ثيابه الغالية، ويلوك بين شدقيه لسانا يتفقد بقايا الطعام بين أضراسه، ولم يخف ميل طربوشه أثر الوشم في صدغه!
وقالت فتاة: أئنه لهو؟
فأجابتها صاحبتها بابتسامة.
وبرق الماس في إصبعه، ورف الذهب من سلسلة ساعته؛ فقالت الفتاة: إنه لغني ...!
وكان الحفل الحاشد بعد أيام، فاجتمع فيه من مظاهر البذخ والغنى ما لم يتهيأ لسكان الحي أن يشهدوا مثله منذ أعوام، وشهد صواحبها ما أرادت أن يشهدن ... فأقيمت المقاصف، ووزعت الهدايا، ودقت الطبول، وعزفت الموسيقى، وتجاوبت ألحان المغنين والمغنيات بين فناء البيت وأعلاه، وتناثرت نجوم الكهربا تنقل إلى الأرض بعض معاني السماء، وعبق أريج الزهر يحمل إلى أهل الحياة أنفاس أهل الجنة ... وهي في مجلسها راضية ناعمة تطل من شرفتها على الحفل وزينته فخورا مزهوة.
لقد كانت فرحة الزواج عندها أن تشهد لنفسها مثل هذا الحفل، وقد شهدته على أكمل ما أبدعته في خيالها، وبلغت مأملها في الظهور على صواحبها بما يتقاصرن عنه من بذخ وإسراف. أما الزوج، أما الرجل الذي سترتبط إليه ويرتبط إليها فلا فكاك مدى الحياة، أما رجل أحلامها الذي أحبته زمانا من طول ما صحبها في الخيال؛ أما ذاك، فما عليها منه أن تظل نائمة تحلم ما دامت قد انتقمت لكبريائها الجريح!
Halaman tidak diketahui