أين هي المسكينة؟ وعلى طاعة هي أم على عصيان؟ إنه لم يرها إلا مرسومة في ورقة، أتراها في الأحياء؟ أم هي من وراء جدران سجنها جثة بلا روح، وجسد بلا عاطفة، وطاعة بلا إرادة، ومعدة بلا وجدان ...؟
وا رحمتا للمسكينة! أتشعر أنها في الأحياء؟ لعل في الموتى من هم أقرب منها إلى الحياة؛ لأنهم يعيشون من عواطف أهليهم في ذكرى حية وحب مشبوب ...!
وفي المحكمة رأى الفتى عروسه لأول ما يراها وقد جاءت تسعى عن أمر أخيها تطالب زوجها بالغذاء والكساء والمأوى!
وكأنما ضاق بها أخوها طاعمة كاسية من مالها عنده، فدفعها إلى القضاء تلتمس القوت والكساء!
وكان بينهما ما يكون دائما بين كل زوجين يعرفان المحكمة الشرعية: في كل حين بينهما «جلسة» للقضاء، وليس لواحد منهما هم إلا فيما يفتن من فنون ليكيد لصاحبه ويغيظه، والغالب منهما من ينال من صاحبه من غير عائدة عليه، والمال يتسرب من بين أيديهما للمحامي والكاتب ورسوم الدعاوى وأجرة الشهود ...
وامتدت بينهما الفتنة، ولجت بهما الخصومة، وطالت إجراءات التقاضي، ومضى عام ثالث، وأخذ الزوج المسكين يبيع ما يملك قطعة قطعة؛ وفاء لنفقة الزوجة ونفقة القضاء، وأوشك الرجل الذي راح يطلب الغنى من تحت أقدام امرأة أن تصفر يداه ...
واصطلحا في النهاية على الطلاق ...!
قال المأذون: «وقلت للفتاة: أراغبة أنت في الطلاق على ما اشترط لك من مال؟»
وزاغت نظرة الضحية العذراء من يمين إلى شمال، ثم استقرت نظرتها على أخيها الجالس هنالك ثم نكست رأسها ولم تجب ...
قلت: إنك إنما تفصلين في أمر مستقبلك، فليس هنا لأحد عليك سلطان!
Halaman tidak diketahui