وأمن السامرون على ما يقول ...
في تلك اللحظة، كانت زاهية في القطار ينهب بها الأرض نهبا إلى القاهرة، إلى حيث تعود لما كانت فيه: تشق طريقها في زحمة الحياة وتطرق الأبواب قائلة: «هل من حاجة إلى خادمة أمينة، حسبها من الجزاء بيت شريف يؤويها، وثوب يسترها، ولقمة تحفظ عليها الحياة!»
البعث
جلس «أحمد» على مقعد في جانب من غرفته الخاصة، وارتفق بذراعه على النضد الصغير أمامه وراح يفكر ...
إن بعض الصور التي تتناولها العين في نظرة عابرة، قد يكون لها من التأثير في حياة بعض الناس ما لا تؤثر الأحداث العظيمة التي تهز العالم؛ هذا أحمد، شتان بين ما هو الساعة وما كان منذ ساعات؛ لقد عاد لتوه من السينما حيث كان يشهد رواية عن حياة الأديب الفرنسي الكبير «إميل زولا» ... فأين هو الساعة مما كان قبل ساعات؟
لقد رأى وسمع وعرف، ونظر إلى نفسه، وحضرته ذكرياته وأمانيه، وراح يحاسب نفسه على ما أدى من عمل وما نال من جزاء، واستغرق في تفكيره ...
منذ بضع عشرة سنة لم يأل أحمد دأبا إلى غاية يستشرف إليها، فأين بلغ مما أراد؟ هذه حياته التي يحياها منذ كان، لم يتغير منها شيء يشعره شيئا من الأمل فيما يستقبل من أيامه؛ ففيم كان جهاده ودأبه وما بذل من أعصابه ومن دمه في بضع عشرة سنة؟
أتراه يستطيع أن يقنع نفسه بأنه قد بلغ شيئا؟ فأين ...؟
وتراءت له صورة «سعدية» الفتاة التي وهب لها من نفسه ووقف عليها أمانيه. وتذكر شيئا من ماضيه القريب ومن ماضيها: لقد تعارفا منذ سنوات، بل لقد عرفته هي قبل أن يعرفها، فسعت إليه! فالتقيا، فما افترقا بعدها إلا على ميعاد؛ ولكن سعدية اليوم غير ما كانت أمس؛ لأنه هو هو لم يتغير ولم يزد شيئا على ما كان يوم عرفته!
أتراها سعت إليه يومئذ لأنه هو هو، أم لأنها رأت في مخايله أنه سيصير في غد أكبر مما هو؟ فلما رأته واقفا حيث كان يوم عرفته خاب أملها فيه فاصطنعت أسباب القطيعة!
Halaman tidak diketahui