Dari Akidah ke Revolusi: Nubuat - Kebangkitan
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genre-genre
32
إذا كان الدليل هو المعجزة، وإن لم تكن المعجزة دليلا، فالنبوة بلا دليل أفضل فإنها صريحة، ولكن كيف تجوز النبوة وكيف يسمع الوحي بلا تصديق؟ والحقيقة أن عدم الإتيان بالمعجزات، أو بدلائل إثبات صدق النبوة، لا يدل بالضرورة على انتفاء كل دليل على ذلك؛ فقد توجب النبوة بمجرد الخبر وصدقه الخارجي في التواتر وصدقه الداخلي في الاتفاق مع العقل والطبيعة ومصالح الناس، وأن مجرد سماع الخبر لا يكفي لصدق النبوة، وإن كان كافيا في المجتمعات المضطهدة المنتظرة أمامها المخلص وسماع ندائه وبلاغه، فالإمام يعبد ولا يمكنه إجراء المعجزات أمام كل المجتمعات؛ وبالتالي يكفي السماع بظهوره. والمطلوب تصديق الناس واتباعهم الأئمة، بصرف النظر عن البرهان ما دام البرهان هو المعجزة وليس العقل؛ أي خلب اللب وليس دليل العقل، استرعاء الانتباه واستيلاء الدهشة وليس المنطق والبرهان.
وقد سبب رد الفعل هذا رد فعل ثان، وهو المطالبة بالدليل الذي ليس هو المعجزة، فالمعجزة ليست دليلا، والخبر يحتمل الصدق والكذب؛
33
فلا يحتوي الوحي على معجزة من فعل النبي؛ أي دليل خارجي دون تصديق داخلي، ولا يكفي مجرد الخبر دون صحة تاريخية مشروطة بالتواتر. ليست المعجزة دليلا خارجيا يمكن الاعتماد عليه والتصديق به، بل مجرد شاهد خارجي على قدرة الرسول، لا يمكن التحقق من صدقها إلا بدليل الحس وبداهة العقل وشهادة الوجدان. المعجزة برهان خارجي وليست برهانا داخليا، والتصديق لا يكون خارجيا، ولا يكون إلا داخليا. ليست المعجزة دليلا على صدق خاتم الرسل، في آخر مرحلة من مراحل الوحي، بل دليل الوحي ذاته من النواحي الأدبية والفكرية والتشريعية، وليس ذلك معجزة بل إعجازا. ربما قامت المعجزات في المراحل السابقة للوحي لإيقاظ الشعور، وتحريره من سيطرة القوى المادية والسياسية، ولكنها لا تستطيع أن تحرر الشعور بطريقة أبقى، أكثر دواما، وأشد رسوخا، بل إن المعجزة بوضعها القديم تأخذ مدلولا جديدا وهي قدرة الإنسان المطلقة على الفعل، وتخطي العقبات، وعلى عدم وجود المستحيل أمامه. الرسول هو القدوة في تطبيق الوحي، والنموذج الأول لهذا التطبيق، والتجربة الرائدة في هذا المجال.
إن دليل النبي هو صدق رسالته بتطابق ما يأتي به مع العقل والواقع ومصالح الناس؛ فالدليل ليس خارجيا من المرسل، بل داخليا، من الرسالة ذاتها. ليس دليلا خارجيا من معجزة أو بتدخل إرادة خارجية من الله أو من الرسول، أيا كانت في قلوب المؤمنين لإحداث التصديق، بل دليل داخلي ينبع من طبيعة العقل وشهادة الواقع. ليس نظام الوحي معجزا بمعنى عدم قدرة الإنسان على الإتيان بمثله؛ إذ يستطيع الإنسان بعقله أن يصل إلى كل حقائق الوحي. وكي لا يطول الوقت، ويضيع العمر، ويبذل الجهد في النظر ولا يبقى شيء للعمل، وللأمان من الخطأ، أو من تشعب وجهات النظر الجزئية وتضاربها، أعطى الوحي النظام الشامل مسبقا؛ حتى يبذل الإنسان جهده في فهم التفصيلات والتطبيق وفي التحقيق العملي. ولا يعني صدق الرسالة مجرد سلامتها من أخطاء القياس، بل تطبيقها في الواقع، ومعرفة صدقها بالتجربة وفي حياة الناس. وفي هذه الحالة يكون صاحبها صادقا، لا بمعنى أنه أتى من عند الله، فالجانب الغيبي في النبوة لا يدخل فيها، بل يعني أن رسالته صادقة في الواقع، يثبتها العقل، وتؤيدها التجربة، ويجد الناس فيها حلولا لمشاكلهم وبناء لمجتمعهم.
34 (3) هل هناك فرق بين المعجزة، والكرامة، والسحر؟
إذا كانت المعجزة هي خرقا لقوانين الطبيعة وجريا على غير العادة، فما الفرق بينها وبين الكرامة والسحر؟ الحقيقة أنه لا خلاف بين الثلاثة في النوع، ما دامت كلها خرقا لقوانين الطبيعة، وسيرا ضد مجرى العادات، وإنكارا لبداهات العقول، ولكن الخلاف في الدرجة فقط، وهو خروج من علم أصول الدين إلى علوم التصوف؛ لذلك يكثر الاستشهاد بأقوال الصوفية أكثر من مقالات الفرق. (أ) المعجزة والكرامة
وتظهر المعجزات على أيدي الصالحين والأولياء ظهورها على أيدي الأنبياء، وفي هذه الحالة تسمى كرامات، ومع ذلك فهي لا تثبت نبوتهم، بل قد تضادها أفعال أخرى تجر إلى إسقاط الشرائع وإبطال التكاليف، وتؤدي إلى تعدي الحدود وإيقاف الأحكام.
35
Halaman tidak diketahui