Dari Akidah ke Revolusi: Nubuat - Kebangkitan
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genre-genre
وبالتالي يكون للموت الكلمة الأخيرة، وهو ما يضاد التجربة الإنسانية، والرغبة في تجاوز الموت واستمرار الحياة، والكشف عن الحقائق، واسترداد الحقوق والقصاص من مغتصبيها. أما القول بالتمايز، فإنه يؤدي بالضرورة إلى القول ببقاء النفس، سواء كان ذلك مع حشر الأجساد أو بدونها كجوهر خالص. فإذا كان المتكلمون قد ركزوا على إثبات حشر الأجساد، فإن الحكماء قد ركزوا على بقاء الأرواح بعد فناء الأجساد. فالنفس الناطقة لا تقبل الفناء عند المتكلمين الأشاعرة؛ لأن المواظبة على الفكر تفيد كمال النفس ونقصان البدن؛ فلو فنيت النفس بفناء البدن لامتنع أن يكون الموجب لنقصان البدن سببا لكمال النفس، وإذا كان عدم النوم يضعف البدن فإنه يقوي النفس؛ مما يدل على أنهما يسيران في خطين متعاكسين. وفي سن الأربعين يزداد كمال النفس، ويبدأ البدن في الضعف والوهن. وعند الرياضات الشديدة تحدث للنفس كمالات عظيمة، وتلوح لها الأنوار، وتنكشف لها المغيبات، في حين يضعف البدن. وهي حجج مشابهة لحجج الحكماء في إثبات تميز النفس عن البدن. هذا بالإضافة إلى أقوال الأنبياء والحكماء مما يثبت الجزم بعدم فناء النفس بفناء البدن، وببقائها بعد فنائه.
49
أما حجج بقاء النفس عند الحكماء، فإنها تعتمد على أن النفس بسيطة لا تركيب فيها؛ فالنفس الناطقة لا تقبل الفناء لأنها بسيطة. ولو قبلت الفناء لكان للبسيط فعل وقوة، وهو محال. ولو صح عليها العدم لكان إمكان العدم مقدما لا محالة على العدم، واستدعى ذلك الإمكان محلا باقيا، مع أن الشيء لا يبقى عند عدمه. ولو صح العدم على النفس لكانت مركبة من مادة وصورة، وذلك غير صحيح؛ لأنها ليست جسما. ولو عدم جزء لكان قابلا للعدم، ولافتقر إلى عدم آخر باق، وتسلسل الأمر إلى ما لا نهاية، وهو محال. فالإمكان هنا وجود وليس مجرد حكم ثبوتي، والنفس الإنسانية باقية بعد البدن، ولا تفنى بفنائه، ولا لسبب من أسبابه؛ لأنه لا وجود لتعلق بينهما، لا بالتقدم والتأخر، ولا بالمعية والتكافؤ. التقدم إما بالزمان أو المكان أو الشرف أو الطبع. وإن كان التقدم بالذات لكان علة صورية أو فاعلية أو مادية أو غائية. وإن كان التعلق بالتكافؤ فهما متطابقان. وفي كل الحالات، لا يجوز ذلك في تعلق النفس بالبدن؛ فالنفس حادثة ليس لها مكان، وليست متكافئة مع البدن، أو علة مادية له. إنما النفس تتقدم عليه بالشرف والطبع، وهي أقرب إلى العلة الصورية أو الفاعلة، لما كانت النفس صورة البدن أو أحد كمالاته.
50
والحجة العظمى حجة إشراقية خالصة، وهي إثبات سعادة النفوس بعد المفارقة نتيجة للعلم. فالنفس إما جاهلة، فتتألم بعد المفارقة لشعورها بالنقص، ولا مطمع لها في زواله؛ أو عالمة لها هيئات رديئة مكتسبة من ملامسة البدن، فإذا ما فنى البدن رسخ العلم، وشعرت بسعادتها. سعادة النفوس إذن لا تكون إلا بعد الموت بعد تخلصها من علائق البدن. وإذا كانت اللذة إدراك الملائم، وكان الملائم إدراك المجردات، فالمجردات لا تحصل إلا بعد الموت. وعلى عكس ذلك يكون شقاء النفوس الجاهلة بسبب الهيئات البدنية المتعلقة بالنفس.
51
فسعادتها بحصول كمالها؛ أي أن تكون عالمة بالعقليات، متصلة بالجواهر الروحانية. وبعد المفارقة تكون أقدر على ذلك، وتكون إما قد عقلت شيئا من كمالها ليس بطبعها، أو أن تكون حصلت عليه بطبعها مشتغلة بالرياضات. وقد يتقدم الحجة تقسيم قوى النفس إلى ثلاث: شهوانية، ومحلها الكبد، وهي أدنى المراتب؛ وغضبية، ومحلها القلب، وهي أوسطها؛ وناطقة، ومحلها الدماغ، وهي أشرفها. فإذا فنيت القوتان الأوليان بفناء البدن، فإن القوة الثالثة، وهي النفس الناطقة، تبقى بكمالاتها. كما قد تنقسم قوى النفس إلى نظرية وعملية، ثم تنقسم النظرية إلى مراتب، أشرفها النفس القدسية الإلهية، ثم يتلوها شرف النفس التي حصلت لها اعتقادات حقة في الإلهيات والمفارقات دون برهان يقيني، بل اعتقادا وتقليدا، ثم تتلوها النفوس الخالية من الاعتقادات الحقة أو الباطلة، البرهانية أو التقليدية. وأخيرا تأتي أقل النفوس درجة من حيث الشرف، وهي النفوس الموصوفة بالاعتقادات الباطلة.
52
والحقيقة أن هذه حجة إشراقية «أفلاطونية» خالصة، لما كانت المعرفة الحقة لا تتم إلا بعد الموت. والسؤال الآن: هل كمال المعرفة والسعادة في العلم أم في العلم والعمل؟ وهل العلم هو الرياضي والإلهي؛ وبالتالي هو العلم الديني وليس الدنيوي، الصوري وليس المادي، العقلي وليس الحسي؟ هل المعرفة لذة أم وسيلة للعمل؟ ولماذا لا تكون السعادة في العمل والتحقيق والدخول إلى العالم، بدل الخروج منه والتأمل فيه؟ لماذا لا تكون السعادة في الثورة والغضب والتمرد، وليس في الإشراق والنقاء والصفاء؟ وإذا كانت النفوس تختلف من حيث طباعها وماهياتها، وليس فقط من حيث قدراتها ومجاهدتها، فكيف يكون هناك ثواب وعقاب طبقا لقانون الاستحقاق؟ إن هذه الحجة تطهرية خالصة تكشف عن الرغبة في قسمة الإنسان والعالم إلى قسمين: الأول دنيء مملوء بالشهوات لا يصدر منها إلا بالجهل والموت، والثاني طاهر متعفف زاهد لا تصدر منه إلا الحكمة والخلود. ويخضع ترتيب قوى النفس وحالاتها وطباعها إلى هذه النظرة التطهرية التي تستنكف من العالم وتهرب منه، باحثة عن شيء آخر خارج العالم، فتطير منه فارغة من غير مضمون، وتتركه وراءها. ولما كانت النفس أيضا مشدودة إلى العالم من خلال البدن، فسرعان ما يتكالب الجسد عليه؛ وبالتالي يكون الإنسان متطهرا من جانب النفس، متكالبا على العالم من جانب البدن، ويصبح مقسما بين السماء والأرض، مشدودا بين الله والعالم، فتضيع وحدته.
لذلك غلبت الإشراقيات والنظريات الصوفية على علوم الحكمة؛ وبالتالي على علم أصول الدين. ولم يسلم ذلك من دخول بعض جوانب السحر والطلسمات ما دامت الروح المتجردة أو النفس القادرة قد وصلت إلى كمالاتها النظرية والعملية، وتجردت عن علائقها في البدن وعن صلتها بالعالم. وقد ظهر ذلك في العقائد المتأخرة بعد أن توقف تطور علم التوحيد، وتسربت الفلسفة إليه بعد استبعادها منذ القرن الخامس، وعادت إلى علم التوحيد الذي لا يشك فيه أحد من وراء ستار، بل تحولت مسألة النفوس الناطقة في العقائد المتأخرة إلى مسألة مستقلة معتمدة على الاستعارة من التحليلات الفلسفية. وينضم المعاد النفساني إلى المعاد الروحاني، ويظهر خلود النفس مع حشر الأجساد.
Halaman tidak diketahui