Dari Aqidah Menuju Revolusi (3): Keadilan
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genre-genre
148 (10)
القدرة. واعتبار كون الإنسان قادرا ولكن المؤله المشخص أقدر منه لا ينفي قدرة الإنسان على الإطلاق؛ فالمؤله المشخص كما ظهر في التوحيد خلق من الشعور الانفعالي وإسقاط منه ورغبته في تثبيت عواطف التعظيم والإجلال عن طريق التشخيص والتجسيم. وهذه العواطف نفسها ناشئة عن موقف نفسي واجتماعي غير سوي، موقف اضطهاد أو موقف تسلط. فتصوره على أنه واقف للإنسان بالمرصاد يتدخل في فعله ليس تفكيرا بل عودة للانفعال لطمس الفكر. وكون الإنسان قادرا وغيره أقدر لا ينفي كون الإنسان قادرا. ولا يوجد أي وجوب عقلي أو حسي ذهني أو واقعي، على أن وجود غير قادر يمنع الإنسان من أن يكون قادرا. الخلاف فقط في الدرجة وليس في النوع. ومع ذلك قد يكون الإنسان بإمكانياته العقلية والإبداعية أقدر من الظواهر الطبيعية؛ لأنه قادر على السيطرة عليها والتحكم في مسارها من خلال معرفته بقوانينها.
149
وهذا قياس صوري خالص وليس قياسا عليه. هو قياس صوري يبدأ بافتراضات واحتمالات معبرا عنها بلو كان، فالنتيجة التي تنتج منها نتيجة صورية خالصة. كذلك مقياس صدقها اتفاقها مع المقدمة الافتراضية ودون أن تثبت شيئا في الواقع. إن جعل المؤله المشخص قادرا على ما يقدر عليه الإنسان يجعله أيضا مكتسبا بالأفعال ما دام الإنسان مكتسبا لها. وهو ما ينافي عواطف التعظيم والإجلال. وليس هناك من يقدر الإنسان على فعله إلا قدرته وباعثه وفكره وغايته. فتلك هي العوامل التي تكون فعله. ولو كانت قدرته مستمدة من غيره لما كان قادرا بذاته أو فاعلا بذاته، ولما كان صاحب فعله، ولما كان السؤال ذاته قد وضع.
ويكون السؤال الآن: ما الغاية من الفعل الإنساني؟ إثبات قدرة الإنسان أم إثبات قدرة غيره؟ وأي القدرتين في خطر إذا نيل منها؟ وإذا كانت قدرة الذات المشخص شاملة قادرة على كل شيء، فلم الحاجة إلى إثباتها ونفي قدرة الإنسان التي لا تستطيع أن تفعل أمامها شيئا أو تبقى لحظة واحدة؟ إن عدم قدرة الإنسان على كل شيء لا تعني أن هناك قدرة أعظم تقدر على ما لا يقدر عليه الإنسان؛ فالقدرة الإنسانية لها مداها وهو مدى الفعل ومدى القدرة. يقدر الإنسان على تغيير بناء الواقع الاجتماعي، ففعله فعل إنساني حيوي وليس فعلا طبيعيا. ولا يعني عدم قدرة الإنسان على تحريك الجبال أو إغراق الكون عدم قدرته على الأفعال؛ لأن القدرة لها مستواها ومداها، مستواها هو البناء الاجتماعي ومداها هو الأثر. لا يستطيع الإنسان أن يغير من قوانين الطبيعة، أن يجعل الحر باردا أو البارد حارا أو المؤلم ملذا أو الملذ مؤلما أو أن يسقط الحجر إلى أعلى أو أن يعيش السمك خارج الماء. إن الطبيعة، سواء كانت الطبيعة الخارجية أم الطبيعة الإنسانية، واحدة لها بناؤها. يمكن تصور المؤله قادرا على تغيير قوانين الطبيعة وقلب الحجر ذهبا والعصا ثعبانا ولكن ذلك تخيل وانفعال، وفكر بالتمني، إما تعويضا عن عجز أمام الطبيعة أو تخويفا برهبة السلطان. ومع ذلك يستطيع الإنسان من خلال العلم السيطرة على مظاهر الطبيعة وإخضاعها لإرادته. يمكنه حينئذ أن يطير في الهواء بالآلة وأن يسير فوق الماء بالآلة وأن ينزل إلى قاع المحيط بالآلة أيضا طبقا لقوانين الطبيعة وليس خرقا لها. يمكنه أن يهبط المطر وأن يجعل الحر باردا والبارد حارا بالتبريد والتكثيف. وأن يحول الحجر ذهبا بالضغط والعصا ثعبانا بالكيمياء. فلا حدود لقدرة الإنسان على الطبيعة. ووضع الحدود أمامه إيقاف لتقدم العلم وإحباط مسبق لإرادة الإنسان. أما أفعال الشعور كاللذة والألم فيستطيع الإنسان أن يجعل من المؤلم ملذا بفعل التضحية والشهادة، أو أن يجعل من الملذ مؤلما إذا كان فيه فقدان الذات وضياع الكلمة وأذى الآخرين. يمكن أن يكون لقدرة الإنسان أثر غير محدود بزمانه ومكانه؛ فأثر كبار الفلاسفة والعلماء والفنانين والقادة غير محدود، وما زالت الإنسانية تسير بفعل السابقين وتحت أثرهم. هناك من البشر من أثر في تاريخ الإنسانية إلى الأبد كالأنبياء. حتى على فرض أن أثر القدرة الإنسانية محدود، فذلك لا يعني وجود قدرة أخرى أعظم وأجل وأسمى في مقدارها أن تدك الجبال وتجعل الأرض محيطا والمحيط أرضا وأن تشرق الشمس من المغرب وأن تغربها من المشرق؛ فذاك قلب لقوانين الطبيعة الثابتة وهدم للعلم وإنكار لاطراد العادات وزعزعة لثقة الإنسان بالعالم وبفعله فيه، ولا يكون تعبيرا إلا عن عاجز يود أن يرى الكون في قبضته بالتمني أو قاهر يود السيطرة على الآخرين بالإرهاب أو الخديعة.
150
ولا تعني عدم قدرة الإنسان على الإعادة أن الإنسان غير قادر؛ فالفعل الإنساني فعل موجه مقصود مسبب، له غاية ونهاية. الرجوع إلى الوراء إنكار لغائية الفعل ولقصد الإنسان، والغائية جوهر الحياة، والقصدية أساس الفعل. والتاريخ لا يرجع إلى الوراء، والتراكم الكمي يتحول إلى كيف. الفعل الإنساني بطبيعته فعل لا يتكرر لأنه فعل إنساني أي فعل خلاق. والخلق الفني لا يتكرر؛ لأنه مرهون بلحظة الخلق. الفعل الإنساني بطبيعته فعل جديد، والجدة في الخلق تعبير عن الحرية في الفعل، ولو كان الإنسان مجبرا لتكررت الأفعال؛ لأنها تحدث بنفس القدرة المخلوقة وعلى نفس المنوال. ولا توجد أية ضرورة على الإنسان حين يأتي بفعله تجعله قادرا على إعادته من جديد، لا ضرورة عقلية أو حسية، بل توجد ضرورة توجب النقيض. المؤله المشخص وحده هو القادر على الإعادة؛ لأنه افتراض نظري، وفكر بالتمني، وتخيل حالة لا وجود لها. أما الإنسان فإن ممارسته لفعله واقعة بالفعل. ومع ذلك فبعض الأفعال يمكن إعادتها بالممارسة. وتختلف درجة التكرار حسب مستويات الفعل. لو كان الفعل آليا أمكن إعادته كالعامل الذي يقوم بنفس الفعل آلاف المرات إذ تحول الفعل لديه إلى طبيعة ثانية، وإذا لم يحدث التكرار في الفعل الآلي فإنه لا يدل بالضرورة على نقص في القدرة، بل على نقص في التمرين والتعود والممارسة أو على نقص في الآلة. أما الفعل البدني فإنه ممكن تكراره. قد لا يكون نفس الفعل من حيث الحركة الطبيعية ولكنه يكون نفس الفعل من حيث الدلالة. يمكن مثلا كتابة نفس الحروف آلاف المرات والسير بين نقطتين عشرات المرات، ويكون الفعل في نفس المرة هو نفس الفعل، نفس الحرف أو نفس المسافة. ولكنه قد لا يكون الحرف تماما هو نفس الحرف من حيث الرسم، وقد لا تكون الخطوة تماما هي نفس الخطوة من حيث المسافة. ولكن هذه الفروق المكانية لا دلالة لها على الفعل ومصدره وهو الإنسان القادر الحر. والإعادة فرع على مبدأ، ومن يثبت الفعل يثبت التولد. الإعادة ممكنة لأن الفعل ممكن أولا. ومن قدر على الفعل الأول يقدر على الفعل الثاني. وقد استعمل الفكر الديني الإلهي هذا التحليل لإثبات البعث بإثبات الخلق؛ فالقدرة على الخلق تتضمن القدرة على البعث لأن القادر على الفعل أولا يكون أقدر على إعادته ثانيا. والقول باستحالة الإعادة مبني على أن العلم لا بد وأن يكون علما بالتفاصيل، وهذا غير لازم؛ فالإعادة ممكنة بفعل الممارسة عندما يتحول الفعل الأول إلى طبيعة ثانية. كما تصح الإعادة من المؤله المشخص؛ لأنه عالم بكل شيء وقادر على كل شيء.
ولا يعني فرض أن قدرة الإنسان مخلوقة معه فهو أيضا مخلوق؛ أن أفعال الإنسان مخلوقة لأن خلق القدرة لا يستلزم بالضرورة خلق الأفعال. يمكن خلق قدرة قادرة حرة في الإنسان الذي هو محقق قدرته في أفعاله. ولا يعني اعتبار المؤله المشخص مالكا لكل شيء بما فيه الإنسان وفعله نفيا لقدرة الإنسان. إن القول بأن المؤله المشخص مالك لكل شيء مجرد عبارة تعبر عن عواطف التعظيم والإجلال. والمعاني والحقائق والوقائع لا تثبت بالعبارات والألفاظ.
151
ولا يعني إثبات كون الإنسان قادرا أنه يسلب الآخر حريته أو يشاركه فيما ليس له، بل إن القادر على أفعاله هو المحقق لها. وهذا أيضا ينفي بالضرورة أن يشارك آخر في أفعاله إلا من مشاركة الجماعة والعمل المشترك داخل الجماعة أو الحزب.
Halaman tidak diketahui