Dari Kesusasteraan Lakonan Barat
من أدب التمثيل الغربي
Genre-genre
فإذا كان الفصل الثالث، فنحن في الحجرة نفسها بعد العشاء من مساء اليوم نفسه، ونحن نرى أرنولد يتم مع أبيه حديثا كان قد بدأه قبل أن يرفع الستار، ونفهم أن هذا الحديث إنما هو تشاور بين الابن وأبيه في هذه الكارثة الجديدة. وقد ألقى الأب إلى ابنه نصيحة، وهو يلح عليه في أن يتبعها، ثم يقبل سائر أهل القصر فيتحدثون حديثا مختلفا مختلطا، ولكننا نتبين على كل حال أن الشيخين العاشقين ما زالا على ما كانا فيه من المغاضبة والخصام، فليس أحد منهما يرضى أن يتحدث إلى صاحبه. وهم ينظرون في مجموعة من الصور ويتحدثون عما يرون، وعن صور النساء وأزيائهن خاصة أحاديث مختلفة جميلة ومؤثرة، ولكنهم ينتهون إلى صورة بعينها تعجبهم جميعا ولا يعرفون صاحبتها، فإذا أنبأهم الزوج القديم بأنها صورة مطلقته زاد إعجابهم بما كان لهذه المرأة من جمال، ولا سيما إليزبث؛ فإن إعجابها شديد حقا. أليست قد أنبئت بأن بينها وبين هذه المرأة حين كانت شابة بعض الشبه؟ أليست هي آخذة الآن في إعادة التاريخ وفي تمثيل القصة التي مثلتها هذه المرأة حين كانت تنعم بنضرة الشباب وحين تهيأ لها الحب فلم تستطع عليه امتناعا؟ على أن الشيخة نفسها إذا نظرت في هذه الصورة لم تستطع أن تكف دموعها عن الانحدار، فأين هذا الجمال الرائع من هذه المرأة المتهدمة التي تغاضب عاشقها المتهدم! وقد تفرق القوم جميعا عن العاشقين الشيخين، وإذا الشيخ يدنو من صاحبته متلطفا مسترضيا معتذرا مما قدم إليها من الإساءة قبل العشاء، وهي تقبل منه متلهفة؛ فلم تكن أقل منه شوقا إلى الصلح، وهو يعترف لها بأنه كان مغرورا حين زعم أنه كان خليقا أن يبلغ رئاسة الوزراء لولا الحب. وهي تؤكد له أنها كانت مسرفة، وأنه كان حقا جديرا أن يبلغ رئاسة الوزراء، فإذا سمع ذلك منها أرضاه وأعلن إليها أنه كان مسرفا حين أنبأها أنه لو تولى الحكم لعين زوجها في هولندا، والواقع أنه كان خليقا أن يعينه في باريس، وهي تستكثر باريس وترى أن في هولندا أو في البرازيل ما يكفي. ويمضي الحديث بينهما على هذا النحو المؤثر الظريف، وهذا الشيخ يتأمل في الصورة فيزعم لصاحبته أن السن لم تغيرها إلا قليلا وهي سعيدة بهذا الثناء، ترد عليه بثناء مثله، فتزعم له أنه قوي، وأنه وسيم، وأن منظره يخلب النساء، ويلفتهن إليه. ولكن هذا الزوج القديم قد أقبل وأخذ ينبئهما بقصة إليزبث واعتزامها فراق زوجها مع هذا الشاب، وهو يطلب إلى الأم أن تنصح لهذه الفتاة وأن تعظها، وأن تفكر في ابنها. والأم تتردد شيئا ثم ترضى، وقد أقبلت إليزبث وانصرف الرجلان، وأخذت العاشقة الشيخة تعظ العاشقة الشابة. فيا له من حديث مؤثر حقا، دقيق حقا، فيه تصوير رائع لجنون الحب ثم لعواقب هذا الجنون حين يفتر النشاط وتنكسر الحدة، وتتصل الحياة بين عاشقين قد فتر بينهما العشق. وفيه تصوير رائع لهذه الغيرة الملتهبة التي تحرق فؤاد المرأة حين تحس انصراف العاشق عنها، وفيه تصوير رائع لضعف المرأة وسوء حالها في الجماعة إذا خرجت عن الحياة المنظمة وخالفت ما ألف الناس.
ولكن شيئا من هذا لا يؤثر في الفتاة ولا يغير عزيمتها بحال من الأحوال، وهي مصرة على هذا الفراق محتملة تبعاته، واثقة بصاحبها، أشد الثقة.
ثم يقدم أرنولد بعد حين ويخلو إلى امرأته، وإذا هو قد تغير تغيرا تاما، فهو معتذر إلى امرأته من ذلك الحديث الغليظ الجاف الذي لقيها به حين طلبت إليه الطلاق، وهو يترضاها فلا ترضى، ويستعطفها فلا تعطف، فإذا يئس من ذلك عرض عليها أن يعينها بشيء من المال لأنها فقيرة ولأن صاحبها ليس غنيا، وهي تأبى، ولكنه يعلن مصمما أن المال سيوضع في أحد المصارف لحسابها، وقد كان يأبى الطلاق فهو يقبله الآن، ولكن شرط أن يكون هو المذنب وأن يكون الحكم عليه لا عليها. وهي تسمع هذا فتتأثر له تأثرا عميقا، ويتركها الفتى وهي في أشد ما تكون من التردد والاضطراب والاعتراف بالجميل. على أن صاحبها الشاب قد أقبل يتعجلها، فتأبى عليه إباء شديدا لما سمعت من زوجها، والفتى يلح وهي تأبى. وإنهما لفي هذا الحوار وإذا الشيخان العاشقان قد أقبلا واشتركا في حوارهما، وهما ينصحان أول الأمر للفتاة بألا تفارق زوجها ولا تتعرض لحرب النظام الاجتماعي، فهي غير قادرة على هذه الحرب، ولكن الفتى لبق حسن الحديث، عاشق، صادق العشق، مقنع قوي الإقناع، وها هو ذا قد أثر في نفس الفتاة وسيطر عليها. وانظر إلى هذين الشيخين وقد ذكرا شبابهما واستحضرا قصتهما، وهما يعينان على تمثيل القصة. فأما الشيخ فيعيرهما سيارته ليهربا بها في جنح الليل، وإذا الشيخة تعير الفتاة معطفها لتتقي به برد الليل، وإذا العاشقان الشابان ينصرفان وقد تركا في نفس هذين الشيخين وجدا وحنينا وعطفا كثيرا. وهذا الأب الشيخ قد أقبل راضيا، سعيدا، مبتهجا ينبئ بأنه قد نصح ابنه فاستمع لنصيحته فنجح إلى أقصى حدود النجاح. رد إلى امرأته حريتها فحمدت ذلك منه وزهدت في هذه الحرية وقررت أن تقيم. والشيخ فخور بهذا الفوز، وهو يضحك فخرا والشيخان العاشقان يضحكان منه فيحسب أنهما يضحكان له، ويرخى الستار عليهم جميعا، وهم مغرقون في ضحك مظهره واحد ولكن سببه مختلف أشد الاختلاف.
الطائر الحديث
للكاتب الفرنسي رستان برنار
ليس هذا العنوان ترجمة صادقة ولا دقيقة للعنوان الفرنسي، وإنما هي ترجمة مقاربة، أو قل هي إشارة إلى معنى العنوان الفرنسي؛ لأن نقل العنوان إلى لغتنا ليس باليسير.
ولسنا نقصد بهذا الحديث عادة إلى الدقة العلمية في الترجمة، وإنما نقصد إلى تقريب الصور الفنية التي يعرضها كتاب التمثيل إلى قراء العربية الذين لا يستطيعون أن يروا بأنفسهم هذه الصور في أصولها الأولى. والصورة التي أريد أن أقربها إلى القراء في هذا الحديث جميلة رائعة حقا، وهي لا تستمد جمالها ولا روعتها من ثورة العواطف وحدة الحس وعنف الشعور، وإنما تستمدها من هذه الفلسفة الهادئة المبتسمة الساخرة التي امتاز بها هذا الكاتب الفرنسي العظيم، فهو أستاذ السخرية في فرنسا بعد كورتلين، ولكنه أستاذ السخرية التي لا يكاد يشعر بها إلا الذين أوتوا حظا عظيما من دقة الذكاء، ونفاذ البصيرة، وحسن القراءة بين السطور. وهو على هدوء فلسفته وخفة سخريته، ورقة دعابته، لاذع ممض حقا لمن عرف كيف يقرأ، وكيف يفهم، وكيف يذوق، بل هو قد يتجاوز السخرية اللاذعة الممضة إلى السخرية القاسية، التي تريد أن تكون عنيفة، وتبلغ من العنف ما تريد دون أن يظهر عليها ذلك ظهورا واضحا.
وقد أراد رستان برنار في هذه القصة أن يصور، من ناحية، نزق الشباب وخفته، وطيشه، وضعفه عن فهم ما يحيط به من الأحداث، بل عن فهم نفسه، وأقرب الناس إليه، وانخداعه بأيسر الأشياء. ومن ناحية أخرى عبث الظروف بالناس وتحكمها فيهم بما يسوءهم في كثير من الأحيان، وبما يرضيهم ويمنعهم في بعض الأحيان. والنقاد مجمعون على إكبار هذه القصة، ومنهم من يبلغ بها منزلة الآية الأدبية الخالدة التي لن يعرض لها الفناء، وهم يعجبون بهذه البراعة التي أتاحت للكاتب العظيم أن يتخذ موضوعا يسيرا ضئيلا كهذا الموضوع الذي ستراه، فينشئ منه قصة تمثيلية ممتعة، ترضي، بل تمتع النظارة والقراء جميعا دون أن تشق عليهم، أو تخيل إلى أحدهم أنه أحس شيئا من الجهد قليلا أو كثيرا في مسايرة القصة منذ ابتدأت باسمة ساخرة إلى حيث انتهت باسمة ساخرة أيضا.
والموضوع - كما قلت - يسير ضئيل؛ فهناك صديقان؛ أحدهما شاب في السادسة والعشرين من عمره، وهو تيبو، والآخر كهل قد بلغ الأربعين، وهو تييري، وقد صدقت بينهما المودة، وتمت الثقة، وكلاهما صاحب لهو وعبث، ولكن الشاب الحدث، مطمئن إلى الكهل المجرب، فهو يلجأ إليه، ويعتمد عليه كلما تعقدت أموره في الحب بعض التعقيد. وهذا الكهل المجرب محبب إلى النساء، فاتن لهن، فلا يكاد يعرض مخلصا لحل ما يتعقد على صاحبه الشاب من الأمر حتى يضطر إلى خيانته اضطرارا. وصاحبه الشاب لا يحس ذلك ولا يلمحه، وإنما هو ماض في ثقته، دافع صاحبه إلى الخيانة دفعا، والظروف تعينه على ذلك، وتغريه به، كما تعين صاحبه على الخيانة، وتورطه فيها حتى يأذن الله لفتاة هي أليس بأن ترد الشاب إلى الرشد، وتحول بين هذا الكهل وبين المضي في الإثم على غير عمد أو على عمد، غير متعمد، إن صح هذا التعبير الغريب.
فموضوع القصة - كما ترى - هين لا خطر له في نفسه، ولكن الكاتب قد استطاع أن يرتفع به، إلى أرقى منزلة من منازل التفكير الخلقي الفلسفي الخصب. ومهما ألخص هذه القصة ومهما أتحر الدقة في هذا التلخيص، فلن أستطيع أن أعطيك من جمالها الفني صورة مقاربة، فجمالها الفني مستقر في هذا الحوار البديع الذي لا بد من ترجمته، ومن ترجمته كله لتذوق ما فيه من فن دقيق. وترجمته ليست شيئا يسيرا؛ لأن الكاتب - كما قدمت - من أدق الكتاب الفرنسيين في التصوير والتعبير معا.
Halaman tidak diketahui