114

قلت: أحسن الحدود ما ذكره الإمام القاسم بن محمد عليه السلام في الأساس وهو أنه جعله ضد الحسن فهو ما يعاقب فاعله.

قال بعض شراحه: وقد يزاد فيه على بعض الوجوه ليحترز به عن صغائر القبائح إذا كانت من غير مرتكب الكبيرة والمصر عليها، فإنها قبيحة، ولا يعاقب عليها؛ لأنها مكفرة لقوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}[النساء:31] وإن كانت من المصر فإنه يعاقب عليها؛ إذ لا صغيرة مع إصرار لقوله تعالى: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ...}[الكهف:49] الآية.

وليحترز به عن الملجأ إلى فعل القبيح، وعن القبائح الواقعة ممن لا تكليف عليه فإن ذلك كله قبيح ولا عقاب عليه.

قلت: وأما المجبرة فلعلهم يحدون الحسن بأنه ما أمر به الشارع، أو ملائم الطبع وكان صفة كمال، والقبيح ما نهى عنه، أو ما نفر عنه الطبع، أو كان صفة نقص.

وأما المدح والذم فقال أصحابنا: المدح قول ينبي عن ارتفاع قدر من وجه إليه مع القصد، والذم: قول ينبي عن اتضاعه كذلك، واحترزوا بالقصد عن الحكاية كقوله تعالى: {وقالت اليهود يد الله مغلولة }[المائدة:64].

وعن التعريف كقوله تعالى: {وعصى آدم ربه فغوى }[طه:21]، فلم يقصد بذلك الذم.

وقال الرازي: بل المدح هو الإخبار بكون من وجه إليه مستحقا؛ لأن يفعل به ما يفرح به، والذم الإخبار بأنه يستحق أن يفعل به ما يحزن به، ورد أنه يلزمه أن يكون قولك للفقير أنت تستحق أن أطعمك رغيفا مدحا، ولا قائل به، ولا يقتضيه عقل ولا لغة، ويخرج منه قول القائل: فلان ظالم فاسق؛ إذ ليس بإخبار باستحقاق مع كونه ذما عند جميع العقلاء وأهل اللغة، ثم يستلزم أن يخرج مدح الباري تعالى، وذلك خلاف ما أجمعت عليه هذه الأمة ومن سبقها من الأمم.

Halaman 114