Kematian Lelaki Terakhir di Bumi
موت الرجل الوحيد على الأرض
Genre-genre
تأملها طويلا بعينيه الزرقاوين اللامعتين بالصحة والراحة، تأملها ببطء كما يتأمل المرء تحفة مثيرة؛ شعرها أسود غزير على شكل ضفيرتين فوق عنقها وظهرها، وجهها طويل أسمر ملوح بالشمس فيه رجفة العذراء، شفتاها ممتلئتان نديتان ورديتان بلون طبيعي وليس بأحمر الشفاه، نهداها مدببان نافران بحدة طبيعية وليس بسبب مشد من المطاط، يعلوان ويهبطان ويعلوان ويهبطان بغير توقف، كان القلب تحتهما لا يكف عن الخفقان بعنف، وعيناها السوداوان واسعتان ومرفوعتان تجري فوقهما دمعة كدموع طفلة خائفة.
اقترب منها وهو يبتسم: أتبكين يا زينب؟!
أطرقت رأسها وهي تهمس: وقع من يدي. سامحني يا سيدي!
مسحت دموعها بكفها وأحس بتيار ساخن من الدم يمشي في صدره، فاقترب منها أكثر، ومد يده برفق حتى لامست عينيها ومسح بأصبعه الناعمة دموعها وهو يهمس: لا تخافي يا زينب، فداك الفنجان وصاحب الفنجان أيضا!
كاد أن يضمها ويضغط نهديها في صدره، لكنه خشي أن يفزعها أكثر، ورأى أن ينتظر عليها بعض الوقت حتى تألف الأشياء الجديدة التي تراها لأول مرة.
كانت زكية في ذلك الوقت قد سحبت الجاموسة إلى الحقل، وربطتها في الساقية، ثم أمسكت الفأس وراحت تشتغل في الحقل، وأذناها مرهفتان تلتقط أي صوت يشبه الأذان. حينما رن في أذنيها أذان الشيخ حمزاوي لصلاة الظهر كان قرص الشمس قد أصبح ملتهبا فوق رأسها، والعرق يتصبب من جذور شعرها ويهبط غزيرا فوق عنقها وصدرها وظهرها، ويسيل بين فخذيها، ولا تكاد تعرف أهو العرق أم البول ... بعد أن انقطع الأذان تركت الفأس وسارت إلى الترعة فغسلت وجهها وعنقها وتوضأت ثم صلت على حافة الترعة أربع ركعات الفرض وأربع ركعات السنة. بعد الصلاة ظلت راكعة، وقرأت الفاتحة عشر مرات، ثم رفعت يديها للسماء وقالت: «اغفر لي يا رب!» ثلاثين مرة. بعد المرة الثلاثين مسحت وجهها بكفيها، فإذا بها تشعر براحة غريبة تشبه الرغبة في النوم، وثقل جفناها وسقط فوق عينيها، فنامت حيث كانت على حافة الترعة.
لم يكن قرص الشمس الملتهب في مثل هذا الوقت من الظهيرة يستطيع أن يخترق جدران بيت العمدة السميكة المبنية بالأسمنت المسلح، لكن العمدة كان يشعر بحرارة تسري في جسده ساخنة وملتهبة كأنه يقف عاريا تحت قرص الشمس، كان لا يزال بالمنامة الحريرية الوردية مسترخيا في مقعد وثير يقرأ الجريدة، ولمح صورة أخيه فوق الصفحة، فقلب الصفحة بسرعة وقرأ أخبار المجتمع. عرف أن توحة الرقاصة طلقت من زوجها، وأن نوسة الممثلة تزوجت للمرة الرابعة، وأن عبد الرحمن المغني دخل المستشفى ليستأصلوا له الزائدة الدودية. وقلب الصفحة ليقرأ أخبار الرياضة، لكن الصفحة انقلبت إلى الناحية الأخرى ورأى صورة أخيه مرة أخرى، فعرف أن الوزارة تغيرت وأن أخاه أصبح في مركز أقوى. مصمص شفتيه وهو يهمس لنفسه: «لا أحد يعرفه كما أعرفه أنا؛ فهو أخي، كم هو غبي، بطيء الفهم! ولكنه حمار شغل، تربطه بأي ساقية فيدور كبقرة غميت عيناها!»
ألقى الجريدة إلى جواره، وأغمض عينيه قليلا وتذكر فجأة أنه كان ينوي الاتصال بزوجته تليفونيا ليسأل عن نتيجة امتحان ابنه الأصغر، وكادت يده تمتد إلى التليفون، لكنه سمع صوت ماء ينسكب فوق أرض الحمام، وتذكر فجأة أن زينب جاءت إلى بيته فجر اليوم، وأنها كنست ومسحت البيت ولم يعد أمامها إلا الحمام. خطرت له فكرة سريعة، وهي أن ينهض ويدخل إليها في الحمام ويحاول، لكنه طرد الفكرة. إنه يشعر أن زينب ليست مثل أختها نفيسة، نفيسة كانت سهلة وبسيطة لا تسبب له هذا التردد والحذر. لم يعرف لماذا هو متردد مع زينب، أو حذر، بل شبه خائف. ربما لأنها أخت نفيسة، وحكاية نفيسة لم تنكشف، ولكن هذه المرة من يدري ربما تنكشف. وهمس لنفسه ليطرد خوف: «من ذا الذي يمكن أن يكتشف؟» إنه فوق الشبهات وفوق القانون وفوق الأخلاق، ولا أحد في كفر الطين يمكن أن يشك فيه. إنهم قد يشكون في الله ولا يشكون فيه.
وتذكر أن ثلاثة رجال في كفر الطين يعرفون سره، شيخ الخفر وشيخ الجامع وحلاق الصحة، بدونهم هم الثلاثة لا يستطيع أن يحكم كفر الطين؛ فهم أدواته وأجهزته ومساعدوه، ولا يمكن أن يحكم بدونهم، ولكنهم يعرفون سره، وهم أمناء على السر، وإن شعر في أعماقه أنهم غير أمناء على شيء، وأنه لو أغمض عينيه لحظة لخانوه أو نهبوه، لكنه لا يغمض عينيه عنهم، ويعرف كيف يشعرهم دائما أنه يستطيع أن يسمع أنفاس الواحد منهم وهو نائم، وأنه لو لاح لأحد منهم أن يلعب بذيله فهو قادر على قطع الذيل بل الرأس أيضا.
ابتلع لعابه وأدرك أنه مر، وأنه يريد أن يبصق، وأن يتخفف من تلك الكراهية التي تضغط على صدره؛ فهؤلاء الرجال الثلاثة هو يمقتهم ويزدريهم، ويزيد من كراهيته لهم أنه يحتاج إليهم ولا يستطيع أن يعيش بدونهم، فيضطر في كثير من الأحيان إلى السهر معهم والسمر وإقناع نفسه بأنهم أصدقاؤه، بل ليس له من أصدقاء سواهم.
Halaman tidak diketahui