Kematian Lelaki Terakhir di Bumi
موت الرجل الوحيد على الأرض
Genre-genre
مرضى وعميان وعجائز وشباب وأطفال ومشايخ طرق وأهل ذكر وشحاذون ونشالون، وصانعو أحجبة وأولياء الله والوسطاء بين الناس والله والحارسون الباب بين الدنيا والآخرة، جميعهم ومعهم زكية وزينب يرفعون أكفهم الخشنة نحو السماء ويهتفون بصوت واحد ونفس واحدة: «يا رب.»
لم تكن زينب هي الأخرى تبحث بعينيها عن وجه زكية، كان وجهها قد ذاب في الوجوه، وجلبابها ذاب في الجلابيب، وأصبحت جزءا من الكون المحيط بها، وأصبحت كفاها مرفوعتين نحو السماء مع الأكف وصوتها يهتف مع الأصوات: «يا رب.» صراخ أكثر مما هو هتاف، وصوت زكية وهي تنطق «يا رب» يخرج كالصرخة الحادة الممدودة من صدرها إلى السماء، مبحوحة وحادة في الوقت نفسه، كأنفاس من عنق مذبوح، أو شهيق من صدر يختلط فيه الهواء بالدم.
وقلب زينب أصبح يخفق وهي تهتف يا رب، دقاته تهز صدرها ويهتز نهداها الصغيران المدببان تحت الجلباب، وعيناها تلمعان بضوء غريب، وينتفض جسدها انتفاضة كقشعريرة الحمى، والدم يصعد إلى وجهها في حمرة عذراء يعرف قلبها لأول مرة الخفقان: «يا رب.»
أحست زينب من حيث لا تدري أن الله سمع صوتها، وهي سمعت صوته، وأحس أنفاسها، وهي أحست أنفاسه، وأن جسدها أصبح متصلا بجسد الله وأنها ترتعد من خوف أشبه بالحزن، وتشعر براحة أشبه باللذة، وأنها تريد أن تبكي وتريد أن تزغرد، وتريد أن تغمض عينيها وتنام في حضن الله من شدة الراحة واللذة، لكنها في الوقت نفسه عاجزة عن أن تغمض عينيها أو تنام من شدة الخوف وشدة التعب وشدة الحزن.
في تلك اللحظة سمعت صوتا يناديها: «يا زينب!» فأدركت على الفور أنه صوت الله يناديها كما نادته. قالت له: «يا رب.» فرد عليها: «يا زينب!» اقتربت من الصوت وهي لا تدري أتسير على قدميها أم تطير على أجنحة، وتلاشت من حولها الأجساد والأصوات ولم يعد أمامها إلا ذلك الصوت: «يا زينب!» ثم برز لها الوجه كأنما من ضباب أو دخان كثيف، ليس وجه رجل ولا وجه امرأة ولا وجه طفل ولا وجه عجوز، بل وجه بغير جنس وبغير عمر، كوجه أم صابر، لكن الرأس لا تغطيه طرحة سوداء، وإنما عمامة بيضاء كبيرة تخفي نصف الجبهة السمراء ذات البقع السوداء، والوجه تنتشر فوقه البقع والحفر كآثار مرض الجدري القديم، والعينان صغيرتان بغير رموش أو بغير جفون كأنما هما ثقبان صغيران ثابتان فوق وجه زينب لا يتحركان: أنت زينب بنت كفراوي؟
شهقت بدهشة: «نعم»، وصوت داخلها يهمس: «كيف عرفني من بين هؤلاء الآلاف أو الملايين؟» لكن صوتا آخر رد بسرعة: «سبحانه يعلم كل شيء.»
قال الرجل: أين عمتك زكية؟
وهمس الصوت داخلها مرة أخرى: «ويعرف أيضا أن عمتي اسمها زكية ... يا للعجب!»
تلتفت حولها تبحث عن وجه عمتها بين الوجوه فلم تجده، لكنها أدركت بعد لحظة أن يد زكية تمسك بيدها، وجسدها المرتعد ملتصق بجسدها وصوتها المرتجف يتمتم بآيات وكلمات غير مسموعة.
اقترب الرجل من زكية، مد يده السمراء المعروفة في فتحة جلبابها وأمسك الحجاب، خلعه عن عنقها وقرأ عليها بعض الآيات، ثم أعاده إلى عنقها. عينا زكية تتابعان حركته في شبه خشوع تكاد تخر فوق ركبتيها وتركع، وحينما توقفت يده عن الحركة انكفأت فوقها وقبلتها ولثمتها وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة. ترك الرجل يده السمراء المعروفة تحت شفتيها، وقال موجها الكلام لزينب: عمتك زكية مريضة يا زينب. وسبب مرضها أنك عصيت الله كثيرا وهي شجعتك على هذا العصيان، لكن الله غفور رحيم، وسوف يغفر لك ولها إذا أطعتما أمره، ويشفيها من مرضها بإذنه تعالى.
Halaman tidak diketahui