Kematian Menteri Yang Terdahulu
موت معالي الوزير سابقا
Genre-genre
حين أنظر في عينك لا أشعر أنك تنتمي إلى هذه الطبقة، في عينك أرى نظرة مختلفة، تجعل الأشياء مختلفة، أقل تناقضا؛ فالابتسامة ابتسامة، والتكشيرة تكشيرة، وملامحك تتحرك مع عضلات وجهك بحركة طبيعية تلقائية، لا أراها ولا أشعر بها، وإن كنت أعرف أنها موجودة كحركة الزمن وحركة الأرض وحركة الطائرة لا أشعر بها وأنا داخلها، ولكني أعرف أن الحركة موجودة.
أحيانا تلوح هذه النظرة وأنا نائمة، أو سائرة في الشارع، أو جالسة، أو واقفة، أو راكبة سيارتي، أو منهمكة في عمل. وتظل أمامي بشكل ملح غريب، تخرجني من الحالة التي كنت فيها، وترغمني على أن أتأملها، أن أفهم سبب إلحاحها وأصرفها عني برقة أول الأمر، ثم بشدة ثم بقسوة ثم بغضب يشبه الجنون.
ألحت علي مرة في إصرار شديدة؛ فقلت لنفسي: ربما هو الشعور بالوحدة، مكتبي مزدحم وبيتي مزدحم والقاهرة مزدحمة، ولكنا مثل هذه المدن الكبيرة نعيش الزحام والوحدة معا، بين الواحد والواحد منا - رغم تلاصق الأجساد - جدار سميك، ويرتفع الجدار بارتفاع الإنسان في السلم الاجتماعي. وفي الليل حين تنام المدينة وتغط في النوم، أتلفت حولي كوحيد أو يتيم، أفتح مفكرتي الصغيرة، وتمر عيناي على الأسماء وأرقام التليفونات. أرقام كثيرة وأسماء كثيرة مرتبة حسب الحروف الأبجدية، ومع ذلك ليس هناك من يستطيع أن يبدد الوحدة، هذه المدينة الكبيرة تظل أمامي خالية من الرجال، إنها تكتظ بالذكور، لا يقابل الواحد منهم امرأة وحيدة حتى يفكر في القفز عليها. الحياة في عالمنا صنعت للرجال، ليس فيها ما يمكن أن يؤنس امرأة إلا ذلك النوع من المؤانسة التي لا تؤنسني ولا تطربني، ولا تظهر من الحياة إلا قبحها، ولا من الرجال إلا عورته.
من حين إلى حين يدق جرس تليفوني، ومن حين إلى حين أقبل دعوة رجل، فضول غريزي لاكتشاف الحقيقة، رغبة استطلاع لمعرفة الحياة والناس، محاولة لتبديد الوحدة. أدرك استحالة أن أعيش داخل نفسي، استحالة أن أبقى بغير الآخرين، لو كتبت لنفسي فقط لاختنقت في كلماتي، ولو كلمت نفسي فقط لاحتبس صوتي، ولو نظرت إلى وجهي طول الوقت لفقدت عقلي.
ومع ذلك فأنا أهرب دائما من الآخرين، وأحب الاختفاء بعيدا عنهم، ولكنه اختفاء عن عيونهم من أجل البقاء في أذهانهم، إنه ابتعاد من أجل القرب، وانفصال من أجل الاتصال. وهذه مأساتي، أريد أن أكون ذاتا منفردة منفصلة ، وأريد في الوقت نفسه أن أكون جزءا لا ينفصل عن الآخرين. وهذا التناقض يمزقني، يجعلني جزأين أو اثنين؛ واحدة داخل نفسي بعيدة عن الآخرين، وواحدة خارج نفسي في قلب الآخرين. واحدة ساكنة بغير حركة تراقب حركة الأخرى، أنا أراقب الأخرى أم الأخرى هي التي تراقبني أنا؟ ومن منا الساكنة في الزمان والمكان ومن منا المتحركة داخل الزمن وفوق الأرض؟
وأنشغل بالإجابة على هذه الأسئلة بينما يجلس الرجل صاحب الدعوة أمامي صامتا، ينظر إلي من حين إلى حين ليرقب أية حركة مني أو نظرة تشجعه على أن يقودني إلى السرير. وحينما لا يجد شيئا يندهش، وقد يتساءل ما إذا كنت مصابة بعقد القرن العشرين، وأنني كامرأة الغاب لا أزال أعشق الاغتصاب والأنين.
لا يمكن أن أنكر أن فكرة الاغتصاب لها عندي - كفكرة الانتحار - جاذبية وحنين. وفي أعماقي من القرون الوسطى - مهما صارعت - بقايا أو بذور، لكني لا أنتحر أبدا، ولا أحد يمكن أن يغتصبني. مهما تأزمت الحياة واختنقت لا أنتحر، ومهما رغبني رجل حتى الموت لا يستطيع. لست كما قلت لي مرة إنني أقتل الرجل أو أخصيه، ولكني أستطيع دائما أن أثبت عيني في عينه، وأستطيع دائما أن أرى العضلة حول فمه ترتعش، وأصابع يده حول يدي ترتعش. قد لا تكون إلا رعشة سريعة لا تستغرق إلا لحظة أو جزءا من اللحظة، لكنها تكفي دائما لأن أراها، ولأن تنهزم إرادته أمام إرادتي، وتصبح قوته العضلية - بل قوة رجال العالم أجمع - عاجزة عن أن تجعل عضلات يدي تلين تحت يده.
قلت لي مرة إنني امرأة قوية، والحقيقة أنني لست قوية دائما، أحيانا أترك يدي تلين، وأحيانا أشعر بالضياع كذرة صغيرة في قبضة خضم وحشي أو كائن ضخم كالقدر مفترس، وأشعر أنني عاجزة عن صنع شيء بإرادتي أو اختياري، وأنني عاجزة عن الإمساك بالحقيقة والواقع. سألتني مرة عن أحلامي، والحقيقة أنني أعيش معظم الوقت في أحلامي، أحلامي هي التي أختارها وأغيرها، أما الواقع فهو يغيرني بغير اختياري. ولم أعد أرى الواقع واقعا إلا إذا كان له جذور في أحلامي، أعترف لك أن عقلي الباطن أكثر قوة من عقلي الظاهر، وفي معظم الأحيان أنا أطيعه.
في حلم من أحلامي رأيتك، كنت تجلس معي في مكان بعيد جدا عن الناس، مغلق علينا وحدنا، شيء لم يحدث لنا في الواقع أبدا، وكنت أجلس بالقرب منك. في أعماقي حركة عنيفة وعلى السطح هدوء وسكون، ونوع من السعادة الغامضة الحزينة، ونبض صامت في الجسد، ونشوة عارمة ورغبة شديدة إلى حد عدم الرغبة في شيء. ولم أعرف بالضبط ماذا كنت أريد، أن تظل عيناك في عيني إلى الأبد؟ أن ترتفع ذراعاك فتحوطني وتخفيني في أعماقك إلى الأبد؟ وأفتح عيني من النوم لكنك تظل في مكانك بالقرب مني، وأغمض عيني لأتخلص منك، لكنك تظل موجودا بالقرب مني، تكاد تلمسني ولا تلمسني، تكاد تتركني ولا تتركني، لماذا؟ لماذا لم تكن تتركني؟ هل بينك وبيني شيء إجباري؟ هل أجبرك أحد؟ أو هل أجبرني أحد؟ أعرف أنه لا أحد، لا أحد على الإطلاق، ومع ذلك لا أستطيع أن أقول إنني أذهب إليك باختياري وإرادتي، أو أن علاقتي بك ليست مفروضة علي، كالهواء يدخل صدري ويخرج، والدم يتحرك في عروقي.
هذا الجانب اللاإرادي في علاقتي بك يثير تمردي؛ فأنا أعبد حريتي، وهذا هو السبب في أنني أثور عليك، وأحيانا أقول لك لن أراك بعد هذه المرة، أو أحاول أن أجمع لك الأخطاء وأستقطب زلات اللسان. وقد أتهمك بما أتهم به الرجال الآخرين، لكنها ثورة فاشلة دائما، تشبه ثورتي على نفسي أحيانا، ورغبتي في إلقاء جسدي أحيانا من النافذة والتخلص منه إلى الأبد. والنتيجة دائما واحدة، وهي أن جسدي يظل ملتصقا بي فوق المقعد، وأنت تظل في مكانك أمام عيني، وبالقرب مني تكاد تلمسني لكنك لا تلمسني، لماذا لم تلمسني أبدا؟ هل أنت مجرد طيف؟ أم لك وجود حقيقي؟
Halaman tidak diketahui