Ensiklopedia Mesir Purba
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Genre-genre
وهذه الأراضي قد أصبحت في مستوى واحد عند بداية الدلتا وعلى حافتها، حيث لم يتمكن الغرين الحالي من تغطيتها بعد أن زالت عنها المياه، وجفت في أول العصر الحجري القديم، وبهذه الكيفية بقي سهل العباسية الصغير لم يمس بعيدا عن فعل الفيضان، وهذا السهل يمتد من سفح هضبة النيل القديمة الواقعة في الشمال الشرقي من القاهرة، وقد سهل أخذ الرمل والزلط لمباني مدينة القاهرة الحالية منه حفر هذا الشريط الصحراوي إلى عمق عظيم يبلغ نحو 30 مترا أو يزيد، كما سهل ذلك أيضا درس المنطقة ومحتويات طبقاتها، وفعلا وجدت الرواسب النيلية فيها بسمك عشرة أمتار في المتوسط، وعثر في وسط الزلط على الآلات التي تبرهن على توالي صناعات العصر الحجري القديم تواليا تاريخيا، فوجدت الآلات الشيلية ثم الآشيلية بعضها فوق بعض، وقد اختلط بها بعض بقايا الحيوانات المعاصرة، وهذه الآلات وجدت منفصلة بوضوح عن الآلات الموستيرية التي لا توجد إلا على سطح السهل، وقد حقق هذه النتيجة البحث الذي قام به كل من الأثري «سند فورد» و«أركل»، وكانت جامعة شيكاجو قد كلفتهما ببحث عام في وادي النيل، وتوابعه فقاما ببحوث منظمة في رواسب مرتفعات جهات «قاو» و«أرمنت» ومنخفض الفيوم، وقد كانت البحوث منتجة وبخاصة في «وادي قنا» حيث أصاب الباحث «مري» نجاحا من قبل؛ إذ جمع مجموعة من الآلات الجميلة، فهناك وجدت آلات العصر الحجري القديم السفلي في مكانها الأصلي في الرواسب البلستوسينية كما وجدت صناعات مما يرى على السطح، فوجد منها من أول الشيلية إلى الموستيرية، وكان بعضها منفصلا عن بعض بوضوح على المرتفعات التي يتراوح عمقها بين 35 مترا وخمسة أمتار تقريبا على كلا شقي الوادي.
العصر الحجري القديم المتوسط
ترجع معرفتنا للإنسان الموستيري في أوروبا أكثر من معرفتنا لإنسان العصر الذي سبقه إلى عوامل طبيعية غيرت معيشته تغيرا عظيما، وذلك أن درجة الحرارة التي كانت مرتفعة في العصر الشيلي قد أخذت في الانخفاض في العصر الذي أعقبه، كما تبرهن على ذلك كثرة الرواسب الآشيلية من بقايا فيل عظيم ذي شعر كثيف، وهو المعروف بالماموث الذي لا يعيش الآن في الجو البارد، وبانتهاء العصر الحجري القديم السفلي ينتهي كذلك عصر تقهقر الجليد، ويتفق العصر الحجري القديم المتوسط مع عصر جليد طويل امتد حتى العصر الحجري القديم الأعلى، وفي ذلك العصر أخذت الحيوانات ذوات الجلد السميك تتقهقر نحو الجنوب متخلية عن أماكنها تدريجا إلى الحيوانات الأخرى ذوات الثدي التي هاجرت من البلاد الشمالية، ولم يبق في مكانه إلا الماموث ووحيد القرن صاحب الخرطوم المقسم بنتوء، وفي خلال هذا العصر أخذ الإنسان يتخلى عن عيشة الهواء الطلق، واتخذ مأواه إما تحت الصخور أو في الكهوف العميقة التي كان يشاطره فيها الضبع ودب الكهوف التي كانت أول من سكنها، أما موقده فكان يقيمه على الفضاء الذي يتقدم مدخل كهفه أو عند باب الكهف نفسه.
وهناك وجدت مخلفاته وجبانته مختلطة مع بقايا آلاته، وقد تكون من هذه البقايا فيما بعد أكوام من الرواسب متماسكة بفعل الترشيح المختلط بالمواد الجيرية، وفي هذه الأكوام تجمعت عظام الحيوانات التي كان يصطادها الإنسان مع آلات الظران. وهذه الأكوام كانت في الواقع بمثابة سجلات غير مكتوبة وبها يمكن المؤرخ أن يعرف مقدار الرقي أو الانحطاط في الصناعة من مستوى لآخر من الطبقات التي كان بعضها موضوعا فوق بعض وضعا تاريخيا، وكذلك يمكنه أن يرتب حيوانات هذا العصر حسب قدمها التاريخي، وأعظم من ذلك كله أن الإنسان الموستيري كان يدفن في هذه المغارات نفسها ومعه حليه وسلاحه، وقد كان مجهزا بما يحتاج إليه في آخرته، وقد عثر على هياكل آدمية تامة درست درسا علميا، ولا شك أن الحفائر المنظمة التي عملت في هذه المقابر التي سكنها الإنسان مددا طويلة مكنت العلماء من وضع أساس لتاريخ الصناعات التي أتت متتابعة منذ العصر الموستيري إلى العصر الحجري الحديث، وقد بدت تغيرات واضحة في فن تهذيب الظران؛ إذ نجد أن الدبوس الذي حذق في إتقانه الإنسان الآشيلي إلى درجة عظيمة قد أخذ ينحط انحطاطا عظيما في عهد الإنسان الموستيري؛ إذ صغر حجمه حتى أصبح ضئيلا جدا، وكان ذلك بمثابة إعلان لإهمال استعماله، أما الآلة الخاصة بهذا العصر فهي شظية من الظران مثلثة الشكل مرهفة الحد قد اقتطعها الصانع من نواة حجرية جهزت بعناية لهذا الغرض بطريقة تحتاج إلى مهارة فائقة، وقد أطلق المؤرخون على هذه الآلة اسم ظهر السلحفاة لقربها من هذا الشكل، وهذه الآلات الحادة كانت بمثابة سهام يثبتها المحارب في نهاية حربته، وكذلك كان يصنع شظايا أخرى يستعملها محشة أو مقراضا أو منشارا لحاجياته اليومية. على أن كل هذه الآلات كانت لا تهذب إلا من وجه واحد وهو العلوي عادة أما تهذيب الوجهين فقد استمر على العكس يستعمل في بعض «أقراص» ذات حد قاطع، وهي التي كانت تستعمل أحجارا للمقلاع.
وقد انتشرت المدنية الموستيرية كسابقتها في كل أفريقيا الشمالية وعثر عليها في آسيا، وقد وجدت براهين عدة تثبت ذلك، وبينما نجد وحدة ظاهرة في الجو والصناعة في العصر الشيلي الآشيلي على كلا شاطئي البحر الداخلي؛ إذ نجد في الوقت نفسه أنه قد ظهر خلاف بين الموستيري الأوروبي وما يماثله في أفريقيا. حقا قد عثر في جبال الأطلس وبلاد الحبشة على آثار امتداد الجليد، والرواسب التي عثر عليها في كهوف بلاد الجزائر مما يدل على أنها كانت مستعملة، ولكن من جهة أخرى تدل الملاحظات العامة التي قام بها العلماء على أن برودة الجو التي كانت محسوسة تماما في أوروبا في العهد الحجري القديم المتوسط، كانت أقل بكثير في المنطقة الأفريقية؛ وذلك لأن انخفاض الجبال الأفريقية لم يساعد على تكوين جليد بدرجة عظيمة مثل الجليد الذي كان في أوروبا الوسطى.
أما الحيوانات وإن كان قد حدث فيها بعض التغيير إلا أنها بقيت على حالتها الاستوائية أو السودانية، فلم نجد من بينها الماموث أو الحيوانات الأخرى التي تميز العصر الموستيري، وفي الجملة، فإن الحالة العامة للحياة قد بقيت تقريبا كما كانت عليها في العصر المتقدم الذكر، وقد كان إنسان العصر الموستيري أكثر سعادة في أفريقيا منه في أوروبا؛ إذ كان الأخير مضطرا لأن يعيش في الكهوف، أما الإنسان الأفريقي فقد استمر يعيش في الهواء الطلق ويتمتع بالصيد، والظاهر أن الكهوف لم تكن تستعمل إلا عندما تكون بالقرب من الجبال حيث يشعر الإنسان ببرودة الثلج، أما في مصر حيث كان ارتفاع الجبال ضئيلا، فإنه لم يعثر على كهف سكن فيه الإنسان يرجع تاريخه إلى هذا العصر، والواقع أن المحطات الموستيرية توجد عادة على سطح الأرض وهي في تبعثرها تتفق في مجموعها مع المحطات التي عثر عليها في العصر السابق، والآلات المدببة التي يمتاز بها هذا العصر، وهي التي وجدت معها النواة التي صنعت منها، فقد عثر عليها في أماكن عدة في وادي النيل وفي المناطق الصحراوية التي كانت لا تزال وقتئذ آهلة بالسكان، وقد وجدت هذه الشظايا المدببة في حالات كثيرة مختلطة مع البلط التي خلفها السكان الأول، وهذا الاختلاط العادي لتلك الآلات الذي يمكن ملاحظته على حدود الصحراء، كما يلاحظ في مصانع تلال طيبة قد حدا بالعالم «دي مرجان» أن يعتقد أن هذين الصنفين من الصناعة قد أخرجتهما يد واحدة في عصر واحد، أما الرأي القائل بأن الصناعات الموستيرية قد وجدت في أماكن مختلفة منفصلة بوضوح عن الصناعة الشيلية الآشيلية، فأصبح لا يؤخذ به، وقد اعترف العالم «دي مرجان » نفسه في كتابه الذي طبع بعد وفاته بذلك الرأي ، وتفسيرا لذلك يمكن الإنسان أن يقارن محطات الجبل الأحمر بمحطات العباسية التي لا تبعد عن بعضها إلا بضع مئات من الأمتار، فيلاحظ الإنسان في الأولى آلات من الشظايا المدببة يرجع عهدها إلى العصر الموستيري وبلطا من العصر الآشيلي، وكلا النوعين قد اختلط بصاحبه. كل هذه وجدت مطمورة في سفح الهضبة على طول مجرى ماء مختف، أما في المحطة الثانية «العباسية» فإن الأمر على عكس ذلك فالآلات التي توجد على عمق بعيد يرجع عهدها إلى العصر الحجري القديم السفلي، أما الآلات الموستيرية فإنها تظهر على سطح الأرض، وذلك أنه لما كان تقهقر الماء محسوسا في ذلك العصر فقد تسبب عنه ظهور رواسب متراكمة في خلال القرون التي سلفت في قعر مصب النهر الذي أصبح فيما بعد بداية الدلتا.
أسلحة مدببة من الظران (صناعة موستيرية).
وهذه الأراضي المتخلفة سمحت لبعض القبائل الموستيرية أن تعيش عليها، وقد جاءت الأبحاث العلمية المنظمة التي قام بها علماء ما قبل التاريخ وعلماء الجيولوجية منذ عدة أعوام مثبتة لهذه النتيجة الأولى، ومن أهم هذه الأبحاث ما قامت به كل من «مس كيتون» و«مس جردنر» في الفيوم. إذ عثر على بحيرة قديمة موستيرية، وهي التي عرفت بقاياها فيما بعد ببحيرة موريس، وقد بقي جزء منها إلى الآن يطلق عليه اسم بركة قارون، وكذلك عثر العالم «سند فورد» وزميله «أركل» في الوجه القبلي وفي الفيوم على محطات موستيرية على تلال قليلة الارتفاع بين أغوار الوديان الحالية، وبين السطح الأعلى الذي توجد فيه الصناعات الشيلية والآشيلية، وتدل الملاحظات العدة التي استنتجها العلماء واتفقوا عليها جميعا أن البلاد كانت - ولا تزال - في ذلك العهد في معظمها تروى، غير أن النيل وروافده كانت قد أخذت في النقصان رغم شدة انحدارها، وكان النهر إذ ذاك آخذا في حفر مجراه إلى عمق بعيد، وفي الوقت نفسه بدأ مجراه ينكمش كما يبدو ذلك من تدرج انكماش شاطئيه، ولا نزاع في أن الإنسان كان يتبع المياه التي لا مندوحة لحياته عنها في تقهقرها، وقد بقي هكذا يتبع سير تقهقر المياه في خلال العصور التي تلت بدون انقطاع حتى أصبح النيل على ما هو عليه الآن.
العصر الحجري القديم الأعلى
أخذت الاختلافات التي كانت بين أوروبا وأفريقيا في العصر الحجري القديم المتوسط تزداد في خلال العصر الحجري القديم الأعلى؛ إذ بدأ البرد يزداد شدة في أوروبا وكان في البداية رطبا ثم ازداد حدة حتى صار قارسا في النهاية، وقد شاهد الإنسان الموستيري كثرة وجود الماموث، كما وجد جاموس البحر بكثرة في العصر الشيلي، ومنذ ذلك العهد أخذ الماموث يندر وجوده في آن واحد وأخذ الحيوان المسمى بالوعل - نوع من الغزال له قرون متفرعة - يظهر، وكذلك أخذ الحصان يظهر بكثرة، أما الإنسان فقد بقي يسكن كهفه حيث عثر على طبقات جديدة البقايا عرفنا منها تدريجيا مستوى الأرض. أما المقابر فكانت تحفر بجوار الموقد، وقد عرفنا منها الجنس البشري الجميل الذي أطلق عليه العلماء اسم
Halaman tidak diketahui