وَمن وَرَائِهَا الْغَرَض الْخَبيث، والكيد للاسلام، وإحلال القثور فِي مَوَاضِع اللّبَاب، والتفاهات فِي ثوب الْمُهِمَّات، والشرك فِي مَوَاضِع التَّوْحِيد، والخرافات والترهات بَدَلا من الْحَقَائِق والبديهيات (١) .
وتطور (فن وضع الحَدِيث) مَعَ الزَّمن وتدهور من أغراض الْحَرْب والسياسة تبعا لخور النُّفُوس وانحطاط الْأَغْرَاض إِلَى أغراض أخر دون مَا تحرج وَلَا تأثم، حَتَّى تجَاوز الْوَضع حُدُود الْخُصُومَات والخلافات السياسية والمذهبية إِلَى التكسب بِهِ، كاسترضاء الْخُلَفَاء والأمراء (٢) رَغْبَة فِيمَا فِي أَيْديهم من المَال والضياع، أَو طلبا للرياسة والجاه وَبعد الصيت، والمباهاة عِنْد الْعَامَّة.
وانحطت الْأَغْرَاض فِي الْوَضع وَالْكذب، عَليّ رَسُول الله، أَكثر فَأكْثر حَتَّى وصلت إِلَى حد الخبل والبلاهة وَمَا يشبه كَلَام الصّبيان.
إِلَى حد أَنه لَا يستعظم على كَذَّاب أَن يضع حَدِيثا وَيُقِيم لَهُ سندا (٣) يصل بِهِ إِلَى الرَّسُول ﵊، يمدح بِهِ قبيلته أَو بلدته أَو نوع ثَوْبه أَو طَعَاما يُحِبهُ أَو شرابًا يسيغه أَو فَاكِهَة يؤثرها على غَيرهَا..إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ من الْخَلْط والتهريج، بالعمد وَالنِّيَّة السَّيئَة وَالْقَصْد فِي الْأَغْلَب، وبالبلاهة والغباء والتعالم فِي الاقل.
وبشئ من الإيجاز يُمكن تصور الْموقف بِالنِّسْبَةِ لتناقل الحَدِيث وتفشى الْوَضع فِيهِ.
مَعَ تَلْخِيص الْأَسْبَاب الْمُبَاشرَة لنجاح الْكَذَّابين فِي وضع مَا وضعوه
_________
(١) من قبيل ذَلِك مَا نقل عَن ابْن أَبى العوجاء أَنه قَالَ حِين أَخذ لتضرب عَنهُ: لقد وضعت فِيكُم أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث أحرم فِيهَا وأحلل.
(٢) روى أَن غياث بن إِبْرَاهِيم دخل على المهدى - وَكَانَ يلهو بالرهان على الْحمام.
فروى لَهُ حَدِيث " لاسبق إِلا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَو جنَاح " فسكافأه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم.
فَلَمَّا قَامَ غياث ليخرج قَالَ الْمَهْدِي: أشهد أَن قفاك قفا كَذَّاب عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَمَا قَالَ رَسُول الله ﷺ " جنَاح " وَلَكِن أَرَادَ ليتقرب إِلَيْنَا.
(٣) ذكر سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه سمع فِيمَا أسْند إِلَى جَابر بن عبد الله وَحده ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث مَا يسْتَحل جَابر نَفسه أَن يذكر شَيْئا مِنْهَا.
(*)
1 / 6