الشبهة الثانية للقادحين في البديهيات فقط أنا نجزم بالعاديات التي جرت بها العادة كجزمنا بالأوليات التي هي البديهيات سواء لا فرق بينهما فيما يعود إلى الجزم وطمأنينة العقل مع أن العاديات لا اعتماد عليها فكذا البديهيات فمنها أي من العاديات المجزوم بها أن هذا الشيخ الذي رأيناه الآن على هيئة الشيخوخة لم يتولد دفعة على هذه الهيئة بلا أب وأم بل تولد منهما ملتبسا بالتدريج فكان وليدا ثم طفلا ثم مترعرعا من ترعرع الصبي أي تحرك ونشأ إلى أن شاخ بعد الشباب والكهولة ومنها أن أواني البيت لم تنقلب بعد خروجي عنه أناسا فضلاء محققين في العلوم الإلهية والهندسية ولا أحجاره أي ولم تنقلب أحجار البيت جواهر نفيسة ولا ماء البحر الذي رأيناه من قبل دهنا وعسلا وأن ليس تحت رجلي الآن ياقوتة من ألف من ومنها أن المجيب عن خطابي بما يطابقه حي فاهم لما خوطب به عالم بما يطابقه من الجواب قادر على التعبير عنه ثم إذا تأملنا في هذه القضايا التي ذكرناها لم نجدها مما يجوز الجزم بها فكان الاحتمال أي احتمال الخطأ قائما في الكل أي في كل هذه القضايا باتفاق العقلاء أما عند المتكلمين فلا ستناد الكل أي كل الأشياء عندهم إلى القادر المختار فلعله أوجب أي أثبت وأوجد باختياره شيئا من ذلك أي مما ذكر من الشيخ المتولد دفعة ونظائره من الأمور المستبعدة التي لم تجر بها عادته للإمكان فإن هذه الأمور المستبعدة جدا ممكنة في حد ذواتها قطعا وعموم القدرة لجميع الممكنات مستقربة كانت أو مستبعدة وأما عند الحكماء فلا ستناد الحوادث الأرضية عندهم إلى الأوضاع الفلكية الحادثة من حركاتها فلعله حدث شكل أي وضع غريب فلكي لم يقع فيما مضى من الزمان مثله أو وقع لكنه لا يتكرر ذلك الشكل بتعاقب الأمثال إلا في ألوف من السنين كثيرة جدا بحيث لا تفي بضبطها التواريخ فاقتضى ذلك الشكل الغريب ذلك الأمر العجيب وأيضا إنما فصل هذه القضايا السابقة لأن المتكلم قائل بوقوع ما هو قادح فيها أعني تبديل صورة الملك فأنا أجزم بأن ابني هذا ليس جبريل وكذا الذبابة التي نراها ليست جبريل وأنتم يا أهل الملة تجوزونه أي تجوزون ما ذكر من كون ابني أو الذبابة جبريل إذ نقلتم أنه كان يظهر جبريل تارة في صورة دحية الكلبي وكان له أخرى دوي كدوي الذباب والجواب أن الإمكان أي إمكان نقائض ما جزمنا به من العاديات لا ينافي الجزم بالوقوع أي وقوع تلك الأمور العادية جزما مطابقا للواقع ثابتا لا يزول بالتشكيك أصلا كما في بعض المحسوسات فإنا نجزم بأن هذا الجسم شاغل لهذا الحيز في هذا الآن جزما لا تتطرق إليه شبهة مع أن نقيضه ممكن في ذاته فقد ظهر أن الجزم في العاديات واقع موقعه وليس فيها احتمال النقيض القادح في الجزم وأما احتمال النقيض بمعنى إمكانه الذاتي فليس بقادح فيها كما في المحسوسات اليقينية وقد مر ذلك في تعريف العلم
Halaman 106