الفرقة الثالثة القادحون في البديهيات فقط أي لا في الحسيات فإنهم معترفون بها قالوا هي أضعف من الحسيات لأنها فرعها وذلك لأن الإنسان في مبدأ الفطرة خال عن الإدراكات كلها فإذا استعمل الحواس في الجزئيات تنبه لمشاركات بينها ومباينات وانتزع منها صورا كلية يحكم بعضها ببعض إيجابا أو سلبا إما ببديهة عقله كما في البديهيات أو بمعاونة شيء آخر كما في سائر الضروريات والنظريات فلولا إحساسه بالمحسوسات لم يكن له شيء من التصورات والتصديقات ولذلك قيل من فقد حسا فقد علما متعلقا بذلك الحس ابتداء أو بواسطة كالأكمة فإنه لا يعرف حقائق الألوان ولا يحكم باختلافها في الماهية لعدم إحساسه بجزئياتها والعنين فإنه لا يعرف حقيقة لذة الجماع ولا يحكم بمخالفتها لسائر اللذات واعترض بأنه ليس يلزم من كون الإحساس شرطا في حصول حكم عقلي أن يكون الإحساس أقوى من التعقل فإن الاستعداد شرط في حصول الكمال وليس بأقوى منه فلا يلزمنا من قدحنا في البديهيات التي هي فرع القدح في الحسيات التي هي أصل لها ولم يرد بكون البديهيات موقوفة على الحسيات مشروطة بها أنها متفرعة عليها لازمة لها كالنتيجة للقياس حتى يلزم من القدح في لازمها القدح فيها أو من حقيتها حقية لازمها ولهم في ذلك أعني القدح في البديهيات شبه
الشبهة الأولى أجلى البديهيات وأقواها في الجزم قولنا الشيء إما أن يكون أو لا يكون أعني الترديد بين النفي والإثبات بأنهما لا يجتمعان ولا يرتفعان وأنه غير يقيني
أما الأول وهو كونه أجلى البديهيات وأقواها فلأن المعترفين بها أي بالبديهيات يمثلون لها بهذا الترديد بين النفي والإثبات وثلاثة أخرى تتوقف تلك الثلاثة عليه الأول من تلك الثلاثة المتوقفة عليه قولنا الكل أعظم من الجزء وإلا أي وإن لم يكن أعظم منه فالجزء الآخر معتبر في الكل لأنه جزء الكل وليس بمعتبر فيه لحصول الاكتفاء بالجزء الأول إذ المفروض أن الكل ليس أزيد منه فيجتمع النفي والإثبات
Halaman 94