وذلك لأنه لما لم يتبدل وضع الراكب بالنسبة إلى السفينة حسب نفسه والسفينة ساكنين ولما تبدل محاذاته لأجزاء الشط مع تخيله السكون في نفسه وفي السفينة حسب الشط متحركا ونرى المتحرك إلى جهة متحركا إلى خلافها كالقمر نراه سائرا إلى الغيم حين يسير الغيم إليه فإن القمر يتحرك بحركة الفلك من المشرق إلى المغرب أبدا فإذا كان بيننا وبينه غيم غير ساتر إياه ونظرنا إليه نفذ شعاع البصر منا في جزء من أجزاء ذلك الغيم فإذا فرضنا حركة الغيم من المشرق إلى المغرب أيضا كانت هذه الحركة لقرب الغيم منا أسرع في الرؤية من حركة القمر لبعده عنا فيصير ذلك الجزء الذي كان قد نفذ الشعاع فيه قريبا ونفذ الشعاع في جزء آخر قد حاذاه بالحركة فيقع بين الجزءين قطعة من الغيم فيتخيل أن القمر بحركته إلى المشرق قطع تلك القطعة التي هي بمنزلة المسافة وإذا تحركنا إلى جهة رأيناه أي القمر متحركا إليها إن كان هناك غيم رقيق وسببه أن الوضع بيننا وبين القمر يتغير بالنسبة إلى أجزاء الغيم ويقع بيننا وبينه أجزاء منه على التعاقب في جهة حركتنا فيتخيل أن القمر تحرك إلى تلك الجهة وقطع قطعة من ذلك الغيم وإن تحرك القمر إلى خلافها كما إذا كان حركتنا نحو المشرق فإن القمر متحرك نحو المغرب ونرى الشجر المستقيم على الشط منتكسا في الماء وذلك لأن الخطوط الشعاعية المنعكسة من سطح الماء إلى الشجر إنما تنعكس إليه على هيئة أوتار الآلة الحدباء المسماة في الفارسية بجنك فإذا كان الشجر على الطرف الآخر من الماء انعكس الشعاع إلى رأس الشجر من موضع أقرب من الرائي وإلى ما تحت رأسه من موضع أبعد منه وهكذا وإذا كان الشجر على طرفي الرائي كان الأمر في الانعكاس على عكس ما ذكر ألا ترى أنك إذا سترت سطح الماء من جانبك ستر عنك رأس الشجر في الصورة الأولى وقاعدتها في الصورة الثانية فيكون الخط الشعاعي المنعكس إلى رأس الشجر أطول من جميع تلك الخطوط المنعكسة إلى ما دونه ويكون ما هو أقرب منه أطول مما هو أبعد منه على الترتيب حتى يكون أقصرها هو المنعكس إلى قاعدة الشجر ثم إن النفس لا تدرك الانعكاس لتعودها في روية المرئيات بنفوذ الشعاع على الاستقامة فتسحب الشعاع المنعكس نافذا في الماء ولا نفوذ هناك إذ ربما لا يكون الماء عميقا بقدر طول الشجر فتحسب لذلك أن رأس الشجر أكثر نزولا في الماء لكون الشعاع المنعكس إليه أطول وكذا الحال في باقي الأجزاء على الترتيب فتراه كأنه منتكس تحت سطح الماء وترى الوجه طويلا وعريضا ومعوجا بحسب اختلاف شكل المرآة إذا فرض المرآة كنصف قالب إسطوانة مستديرة فإن نظر إليها بحيث يكون طولها محاذيا لطول الوجه يرى الوجه فيها طويلا بقدر طوله قليل العرض وذلك لأن الأشعة المنعكسة حينئذ إلى طول الوجه إنما تنعكس من خط مستقيم مساو لطول الوجه فيرى طوله بحاله والمنعكسة إلى عرضه إنما تنعكس من خط منحن مساو لعرض الوجه والزاوية التي يوترها هذا المنحنى أصغر من التي كان يوترها على تقدير كونه مستقيما فيرى عرض الوجه أقل مما هو عليه وإن نظر إليها بحيث يكون طولها محاذيا لعرض الوجه انعكس الأمر فيرى الوجه عريضا بقدر عرضه قليل الطول لما عرفته وإن نظر إليها بحيث يكون طولها موديا في محاذاة الوجه يرى الوجه معوجا وأحد طرفيه أطول من الآخر لأن الانعكاس حينئذ من خط بعضه مستقيم وبعضه منحن بل نقول إذا كانت المرآة مقعرة يرى وسط الوجه غائرا وإذا كانت محدبة يرى ثالثا وبالجملة الاختلافات المتنوعة في أشكال المرايا تستتبع اختلاف الوجه في الرؤية
Halaman 88