قيل هذا من اشتباه الشيء بمثله فإن السراب ليس معدوما مطلقا بل هو الشيء يتراءى للبصر بسبب ترجرج الشعاع البصري المنعكس عن أرض سبخة كما ينعكس من الماء فيحسب لذلك ماء وما يريه صاحب خفة اليد والشعبذة مما لا وجود له في الخارج أصلا وسببه عدم تمييز النفس بين الشيء وبين ما يشبه إما بسبب سرعة الحركة من الشيء إلى شبهة وإما بسبب إقامة البدل مقام المبدل منه بسرعة على وجه لا يقف عليه إلا من يعرف تلك الأعمال وكالخط لنزول القطرة فإن القطرة إذا نزلت سريعا يرى هناك خط مستقيم ولا وجود له قطعا والدائرة لإدارة الشعلة بسرعة فإنها إذا أديرت بسرعة شديدة يرى هناك دائرة من النار ولا وجود لها بلا شبهة والسبب في هذين أن البصر إذا أدرك القطرة أو الشعلة في موضع وأداها إلى الحس المشترك ثم أدركها في موضع آخر قبل أن يزول أثرها عن الحس المشترك اتصل هناك صورتها في الموضع الثاني بصورتها في الموضع الأول فيرى كما مر ممتدا إما على الاستقامة أو الاستدارة وأيضا لما اتصل الشعاع بها في مواضع متعددة في زمان قليل جدا كان ذلك بمنزلة اتصال الشعاع بها في تلك المواضع دفعة واحدة فيرى لذلك خطا مستقيما أو دائرة ونرى المتحرك ساكنا وبالعكس أي ونرى الساكن متحركا كالظل يرى ساكنا وسببه أن البصر إذا أدرك الشيء في موضع محاذيا لشيء بعدما أدركه في موضع آخر محاذيا لذلك الشيء حكمت النفس بالحركة فإذا كانت المسافة في غاية القلة لم تميز النفس بين الموضعين والمحاذاتين وحكمت بالسكون وهو متحرك أبدا لأن الشمس متحركة دائما إما ارتفاعا أو انحطاطا فلا بد أن يتحرك الظل انتقاصا أو ازديادا فإن قيل الظل مرتبة من مراتب النور الذي هو عرض فلا يكون متحركا قلنا المقصود أنه يرى على حالة واحدة ولا يحس بازدياده وانتقاصه مع أنه لا يخلو عن إحداهما قطعا وكراكب السفينة المتحركة يراها ساكنة ويرى الشط الساكن متحركا
Halaman 86