Matmah Amal
مطمح الآمال في إيقاظ جهلة العمال من سيرة الضلال
Genre-genre
قال: فلما وردت (الكوفة) فعلت ما أمرني، فلما غربت الشمس إذا به يسوق الجمل وهو كما وصف أبي؛ فقمت فعانقته فذعر مني فقلت: [33ب]يا عم، أنا يحيى بن الحسين بن أخيك، فضمني وبكى حتى قلت: قد جاءت نفسه، فأناخ جمله فجلس معي وجعل يسألني عن أهله وأنا أشرح له أخبارهم وهو يبكي، ثم قال: يا بني، أنا أستقي على هذا الجمل فأصرف ما أكتسبه أجرة الجمل إلى صاحبه وأتقوت بباقيه، وربما عاقني عائق عن استقاء الماء، فأخرج إلى البرية فألتقط ما يرمي به الناس من البقول فأتقوت به، وقد تزوجت إلى هذا الرجل ابنته فهي لا تعلم من أنا إلى وقتي هذا، فولدت مني بنتا فنشأت وبلغت وهي أيضا لا تعرفني ولا تدري من أنا؛ فقالت لي أمها: زوج ابنتك بابن فلان السقاء - لرجل من جيراننا- فإنه أيسر منا وقد خطبها وألحت علي فلم أقدر على إخبارها على أن ذلك غير جائز ولا هو بكفء منها فيشيع خبري، فجعلت تلح علي؛ فلم أزل أستكفي الله أمرها حتى ماتت بعد أيام، فما أجدني آسيا على شيء من الدنيا أساي على أنها ماتت ولم تعلم بموضعها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال: ثم أقسم علي أن أنصرف.
فانظر إلى هذه النفوس الكريمة كيف أعرضت عن طيب العيش وطلبت لذة الإخبات ولم تلههم الدنيا بزهرتها، بل بعدوا أنفسهم عن نظرتها، فلله تلك النفوس المطمئنة وما أكرم نزلهم في غرف الجنة.
Halaman 172