وقلنا عن بشائر الرسالة المحمدية: إن المؤرخين «يجهدون أقلامهم غاية الجهد في استقصاء بشائر الرسالة المحمدية؛ يسردون ما أكده الرواة منها وما لم يؤكدوه، وما قبله الثقات وما لم يقبلوه، وما أيدته الحوادث أو ناقضته، وما وافقته العلوم الحديثة أو عارضته، ويتفرقون في الرأي والهوى بين تفسير الإيمان وتفسير العيان، وتفسير المعرفة وتفسير الجهالة، فهل يستطيعون أن يختلفوا لحظة واحدة في آثار تلك البشائر التي سبقت الميلاد، أو صاحبت الميلاد حين ظهرت الدعوة واستفاض أمر الإسلام؟»
لا موضع هنا لاختلاف. «فما من بشارة قط من تلك البشائر كان لها أثر في إقناع أحد بالرسالة يوم صدع النبي بالرسالة، أو كان ثبوت الإسلام متوقفا عليها؛ لأن الذين شهدوا العلامة المزعومة يوم الميلاد لم يعرفوا يومئذ مغزاها ومؤداها، ولا عرفوا أنها علامة على شيء أو على رسالة ستأتي بعد أربعين سنة؛ ولأن الذين سمعوا بالدعوة وأصاخوا إلى الرسالة بعد البشائر بأربعين سنة، لم يشهدوا بشارة واحدة منها، ولم يحتاجوا إلى شهودها ليؤمنوا بصدق ما سمعوه واحتاجوا إليه.
وقد ولد مع النبي - عليه السلام - أطفال كثيرون في مشارق الأرض ومغاربها، فإذا جاز للمصدق أن ينسبها إلى مولده جاز للمكابر أن ينسبها إلى مولد غيره، ولم تفصل الحوادث بالحق بين المصدقين والمكابرين إلا بعد عشرات السنين؛ يوم تأتي الدعوة بالآيات والبراهين غنية عن شهادة الشاهدين وإنكار المنكرين. أما العلامة التي لا التباس فيها ولا سبيل إلى إنكارها، فهي علامة الكون أو علامة التاريخ، قالت حوادث الكون: لقد كانت الدنيا في حاجة إلى رسالة، وقالت حقائق التاريخ: لقد كان محمد هو صاحب تلك الرسالة. ولا كلمة لقائل بعد علامة الكون وعلامة التاريخ ...» •••
على هذا المحك البسيط نعرض أخبار الخوارق والمألوفات في تاريخ الدعوات النبوية، وينبغي أن نقرر في هذا المقام - لأنه مقامه الذي يذكر فيه - أن المؤرخ المسلم الذي يكتفي بالآيات الكونية إنما يختار هذا الطريق لأنه طريق واضح المعالم أمامه وأمام الناظرين، الذين يعملون بهداية الإسلام في تدبر الآيات، والبحث عن حقائق الموجودات، ولكنه لو شاء لوجد لديه ذخيرة من الطوالع والنبوءات التي يعتمد أتباع الأديان المختلفة على أمثالها، وقد يعز عليهم أن يجدوا أمثالها في المصادر التي يؤمنون بها ولا يشكون. فلا يعتمد المؤرخ المسلم على الآيات الكونية لقلة الطوالع والنبوءات التي يثوب إليها - لو شاء - كما يثوب غيره، وإنما يعتمدها توثيقا للبينة، وإيثارا لأفضل الحسنيين في مقام المقابلة بين المتشابهات.
ومن الحسن أن نأتي على أمثلة من الطوالع والنبوءات التي وجد فيها بعض المؤرخين المسلمين شواهد على ظهور النبي - عليه السلام - مكتوبة قبل أوان ظهوره بعشرات القرون، ونلاحظ أن هؤلاء المؤرخين أو أكثرهم من فضلاء الهند وفارس والأمم الشرقية التي تتكلم غير العربية، وسر ذلك أنهم ورثوا في بلادهم طوالع الديانات السابقة، ولم يشاءوا أن تكون هذه الطوالع مزايا خاصة تنفرد بها تلك الديانات، ويعجزون هم عن الإتيان بنظائرها التي تقابلها في كفة الديانة الإسلامية، فهم يتوخون إلزام الحجة بالدليل المماثل، ولا يعييهم فعلا أن يجدوا ذلك الدليل مساويا أو راجحا في الدلالة على أدلة المتقدمين من أبناء الملل الغابرين. ونحن نورد هنا بعض الأمثلة التي يستدعيها المقام، ولا يجوز إهمالها، في تمهيد يحيط بجميع الشواهد والمقدمات ولو على سبيل الإجمال.
من هذه الكتب كتاب باللغة الإنجليزية ألفه «مولانا عبد الحق فديارتي» وسماه «محمد في الأسفار الدينية العالمية»، واستفاد في مقارناته ومناقضاته بمعرفته للفارسية والهندية والعبرية والعربية وبعض اللغات الأوروبية، ولم يقنع فيه بكتب التوراة والإنجيل، بل عمم البحث في كتب فارس والهند وبابل القديمة، وكانت له في بعض أقواله توفيقات تضارع أقوى ما ورد من نظائرها في شواهد المتدينين كافة، ولا نذكر أننا اطلعنا على شاهد أقوى منها في روايات الأقدمين أو المحدثين من أتباع الديانات الأولى أو الديانات الكتابية.
يقول الأستاذ عبد الحق: إن اسم الرسول العربي «أحمد» مكتوب بلفظه العربي في السامافيدا “Sama Vida”
من كتب البراهمة، وقد ورد في الفقرة السادسة والفقرة الثامنة من الجزء الثاني، ونصها أن «أحمد تلقى الشريعة من ربه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قبست منه النور كما يقبس من الشمس».
ولا يخفي المؤرخ وجوه الاعتراض التي قد تأتي من جانب المفسرين البرهميين، بل ينقل عن أحدهم «سينا أشاريا»
Syna Acharya
Halaman tidak diketahui