وقد اتفقت الروايات كلها على صفات عبد المطلب قبل الاتفاق على أخباره، واتفقت الصفات والأخبار معا على ملامح شخصية قوامها الإيمان والحزم والوفاء وضبط النفس في مواجهة القوة والخطر بعزيمة، لا تتهور في غير جدوى، ولا تنكص على عقبيها خوفا من فوات الجدوى، وكلها صفات جديرة بآباء الأنبياء والمرسلين.
عبد المطلب
ولد عبد المطلب في المدينة وسمي «شيبة» تفاؤلا له بطول العمر في أسرة لم يكن طول الأعمار من خصائصها، وتربى بعيدا من آل أبيه، فصدق عليه في طفولته قول القائلين في عصرنا: إن الطفل أبو الرجل؛ لأنه كان يلاعب الصبيان من لداته فيذكرون آباءهم، ويفخرون بهم عليه وهو لا يرى أباه بينهم، وحز ذلك في نفسه، فجعلت أمه تسري عنه وتحدثه عن آل أبيه ومآثرهم في جوار البيت الحرام، فطال اشتياقه إلى رؤيتهم والإقامة بينهم، بيد أنه أحجم عن السفر مع عمه «المطلب» حين قدم إلى المدينة لأخذه إلى مكة، وبصر بأمه في الدار حزينة واجمة تبكي لفراقه، وتستمهل عمه عسى أن يبقيه لديها إلى عام قابل، فقهر في تلك السن الباكرة شوقه إلى أهل أبيه، وقد عز عليه في المدينة أن يفاخر بهم لداته بين آبائهم وذويهم، وقهر في إبان الطفولة ذلك التطلع إلى المجهول، وذلك الحنين إلى الغرائب، وتلك الرغبة في كل حركة وكل انتقال من مكانه الذي هو فيه، وقال لعمه بعد أن تهلل لمرآه ورحب بالعودة معه إلى قومه: لن أترك أمي، أو تأذن لي بالسفر معك راضية!
وفي سفرته تلك سمي عند مدخل مكة بعبد المطلب؛ لأن أهلها رأوه مع المطلب لأول مرة، فحسبوه عبدا اشتراه، وجعلوا يدعونه باسم «عبد المطلب» كلما أرادوا أن يميزوه من أبنائه، فغلبت عليه.
وشب الغلام عزوفا أبيا لا يستكين للهضيمة، ولا ينزل عن حق له أو حق كان لأبيه، فلما أراد عمه نوفل أن يستأثر بمنزلة أبيه هاشم وميراثه لديه تحين الفرصة للسفر إلى المدينة، وعاد إلى مكة بعصبة من أقارب أمه وأخواله، وهم أولو عصبة أشداء يشاد بغوثهم في مدائح الشعراء:
ولو بأبي وهب أنخت مطيتي
غدت من نداه رحلها غير خائب
فتلقاهم عمه نوفل مرحبا، ودعاهم إلى ضيافته، فلم يقبلوها أو يرضي فتاهم، فصالحهم على ما يرضيهم ويرضيه.
وصح التفاؤل في عبد المطلب، فعاش حتى ناهز المائة أو جاوزها، ومات والنبي - عليه السلام - دون العاشرة، فعهد به إلى كفالة عمه أبي طالب شقيق أبيه.
وكل ما تفرقت فيه الروايات من أمره قد استقرت على صفة لا تتفرق فيها روايتان؛ وهي: صدق التدين والإيمان بمحارم الدين في سدانته أو في غير سدانته. واسم ولد من أولاده عبد العزي الذي اشتهر بعد ذلك باسم أبي لهب لزهرة كانت في لون وجهه، ومن حديثه أنه كان يتعصب للعزى التي نمى إليها باسمه، وأنه زار أحد عبادها المتنسكين لها في مرض موته فوجده يبكي، فسأله: ما يبكيك؟ أمن الموت تبكي ولا مفر منه؟ قال الرجل: كلا، ولكني أخاف ألا تعبد العزى بعدي!
Halaman tidak diketahui