ويقول الرواة: فهان أمر عبد المطلب في نظر أبرهة وقال له: أتسأل عن البعير وتترك البيت الذي هو دين آبائك ودينك من بعدهم؟! فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه. فأمر برد إبل عبد المطلب دون غيرها، فأخذها عبد المطلب وقلدها النعال وساقها هديا إلى الحرم، ووقف على باب الكعبة يقول:
يا رب لا أرجو لهم سواكا
يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا
فامنعهم أن يخربوا قراكا
هذه هي «المطلبية» التي نعنيها في خصال هذا الرجل العظيم: لا تهور مع القوة الطاغية، ولكن لا خضوع لها؛ بل وضع لها في موضعها، وقول يناسب كل مقام، فإذا خامر الظن أحدا لا يفهم معنى هذه الأنفة التي تأنف من التهور كما تأنف من الجبن، فهناك الجواب الفعال الذي يغني ما ليس يغنيه المقال: ما سألت عن الإبل لأنني أضن بأثمانها، فإنني قد وهبتها بعد ذلك للبيت، ولكنني سألت عنها لأنها هي موضع سؤالي، وتركت السؤال عن البيت لأن استجداء الرحمة من أبرهة لبيت الله ينفي الثقة بالبيت وبالله.
وقد حدث بعد ذلك ما حدث مما لا شك فيه، وهو فتك الجدري بجنود أبرهة، وانهزامه عن البيت، وخوفه من أن يتقدم إليه بأذى، وإنه لخبر قد يسهل إنكاره على المتحذلقة من أدعياء التاريخ الذين يجمعون التمحيص كله في الإنكار، لولا أن حديث الجدري الذي فشا (في سنة 569) مثبت كما تقدم في تاريخ بروكوب
الوزير البيزنطي المعروف.
وخبر آخر من أخبار هذه المناقب المطلبية: أنه عاش زمنا قليل الولد لم يرزق غير ابنه الحارث الذي كان يكنى به. عيره عدي بن نوفل بن مناف يوما فقال له: أتستطيل علينا عبد المطلب وأنت فذ لا ولد لك؟ فأجابه عبد المطلب جوابه الذي أثر عن ذلك اليوم: أبالقلة تعيرني؟! فوالله لئن آتاني الله عشرة من الولد لأنحرن أحدهم عند الكعبة!
وسنعود إلى التعقيب على هذه القصة في حديث عبد الله أبي النبي - عليه السلام - ولكننا نجتزئ هنا بأن نقول: إننا لا نسقطها لمجرد اختلاف الروايات فيها، فإن أخبار الحاضر تتناقض أمامنا، ونحن لا ننكر وقوعها لهذا التناقض. وقد اختلفت الرواة في عبد الله بن عبد المطلب: هل هو أصغر أبنائه جميع،ا أو أصغر أبنائه من أمه؟ وهل بلغ أبناؤه العشرة، أو حسب منهم أبناء الأبناء؟ وكل أولئك لا يسقط القصة، كما أسلفناه، وكما يجيء في سيرة عبد الله.
Halaman tidak diketahui