وأما المذاهب التى لم يكتب لها الانتشار والظهور لأنها لم تجد من يعمل على نشرها فاندثرت، فهى كمذهب الثورى والأوزاعى، وأبى ثور والليث بن سعد (١) والطبرى.
ولقد حوت هذه المذاهب آراء قيمة لها وزنها فى مجال البحث العلمى والتشريعى. قال الإمام الشافعى -رضى اللَّه عنه-: "الليث بن سعد أفقه من مالك، ولكن قومه ضيعوه" (٢).
ولقد كان للتدوين فى هذه المرحلة أثر كبير على الفقه والفقهاء.
يقول صاحب معجم المصنفين: "حينما ظهر التشيع والاعتزال فى سنة ١٣٢ هـ شرع الكبار فى تدوين السنن وتأليف الفروع وتصنيف العربية، ثم كثر ذلك فى أيام الرشيد بكثرة التصانيف، وأخذ حافظ العلماء ينقص، فلما دونت الكتب عكف عليها.
وإنما كان قبل ذلك علم الصحابة والتابعين فى الصدور، فهى كانت خزائن العلم لهم" (٣).
ويقول فى مكان آخر: "ولما عظمت أمصار الإسلام، وذهبت الأمية من العرب بممارسة الكتاب، وتمكين الاستنباط، وكمل الفقه، وأصبح صناعة وعلمًا، بدلوا باسم الفقهاء والعلماء من القراء" (٤).
يقول السيوطى: "وفى القرن الثانى للهجرة بدأت حركة تدوين الكتب وتأليفها فى مختلف ولايات الدولة الإسلامية بما فيها مصر، وكان على رأس القائمين بهذه
_________
(١) هو من أصل فارسى، وقد ولد بقرية قشندة بمصر سنة ٩٣ هجرية، وتلقى العلم بمصر وتتلمذ ليزيد بن أبى حبيب، ورحل إلى الحجاز والعراق فى طلب العلم. وكانت تربطه بمالك صلات الود وتبودلت بينهما كثير من المسائل الفقهية. وكان كبير الديار المصرية فى عهده، ولقد أسف الشافعى على فوات لقيه. مات بمصر سنة ١٧٥ هجرية؛ وانظر: (النجوم الزاهرة) ٢/ ٨٣، وجمال الشيال: (تاريخ مصر الإسلامية): ١/ ١٢١ وما بعدها.
(٢) حركة الفقه الإسلامى ص ١٤، تاريخ مصر الإسلامية ١/ ١٢١.
(٣) معجم المصنفين ١/ ٧٢.
(٤) المرجع السابق ١/ ١٤٦.
1 / 30