يغادر جدي مع جاره إلى المسجد، ويعود.
لدى جدي عادات غريبة، فهو يتناول الكوب الثاني من الشاي باللبن مع ملعقة واحدة من السكر، وقليل من البسكويت، بما تبقى له من أسنان. وأخبره أني أريد أن أنام أنا وابنتي زينة.
نعم تزوجت من شاب يشبه الجزائري، وكانت رائحته تشبه رائحة جواد، حين حضر أول مرة لبيتنا، لم أقل لا، بل بكل إصرار وافقت عليه. وبعد عام من الزواج رزقت بزينة وأسميتها على اسم جدتي.
هكذا هو جدي. عندما يطلب مني أن أتحدث، فأخبره أن ليس لدي ما يقال. «ربما، عندما أكبر قليلا يا جدي، فسيكون هناك الكثير الكثير مما يقال.» «هل تعديني بذلك؟» ويعقد إصبعه الخنصر علامة الوعد، فأفعل مثله، ويشبك إصبعه بإصبعي، ويقول مبتسما : «كنا نفعل ذلك عندما كنا صغارا.»
كنت أزور جدي كل أسبوع. آتي يوم الخميس من حارتي الجديدة، حارة زوجي، وأسهر معه حتى منتصف الليل.
يمر اليوم ولا أروع منه! وأشعر بالحياة تملأ كياني، والدموع لا تفارق عيني من كثرة الضحك. نعود وعندما تفصلنا مسافة ساعة عن المزرعة، أو أقل عن الوصول إلى المنزل، يوقف جدي عربة الحمار، لنواصل سيرا على الأقدام. وأسير معه، بطواعية، وأجد نفسي مع جدي متأبطة ذراعه، والشمس توشك على المغيب، فنرى الشفق الأحمر، وقليلا قليلا تداعبنا آخر خيوط الشمس معلنة الرحيل، فنسرع في خطواتنا حتى لا تنام زينة على كتفي، فتشعر بالبرد.
اليوم أعد جدي كل شيء وحده، حتى الشاي، فلم يترك لي شيئا أقوم به. جلسنا، وصب الشاي. كانت الغيوم تحجب ضوء القمر، تناولت الكوب فوجدته ممتلئا. وشعرت بالخوف، ولا أدري لم تناول جدي كوبا واحدا من الشاي مع ثلاث ملاعق من السكر دون أن يتكلم، ثم قال: «تصبحين على خير، ديري بالك على ابنتك زينة إنها تشبه جدتك كثيرا، أتمنى أن يكون حظها أفضل من حظ عائلتنا.» ثم ذهب إلى غرفته، وغادرت إلى غرفتي، وخلدت للنوم.
استيقظت الساعة الرابعة إلا ربعا على صوت صراخ وعويل، انتفضت مذعورة، وهرعت لأرى ما الأمر، وخوفي أن أسال من ...؟
توفي جدي، وبقيت المزرعة تقاوم، والجدار يكبر يوما بعد يوم. أبي وعمي وأولادهم كلهم يحاولون أن يقفوا أمام تهويد مزرعتنا.
دفن جدي عند آخر شجرة لوز زرعها هو وجدتي.
Halaman tidak diketahui