Drama Shawqi
محاضرات عن مسرحيات شوقي: حياته وشعره
Genre-genre
وليكن المثل الثاني قول أحمد شوقي في وصف كأس الخمر:
حف كأسها الحبب
فهي فضة ذهب
فالمعنى في ذاته قريب المنال، وهو أن الحبب؛ أي فقاقيع الخمر الصفراء، تتصاعد بيضاء إلى حافة الكأس، ولكن روعة البيت تأتي من تصوير الحركة التي يوحي بها إيقاعه، الذي نكاد نرى معه تلك الفقاقيع، وهي تتصاعد تباعا إلى حافة الكأس، وبذلك يصبح الشعر هنا وسيلة يجمع بين المعنى العقلي للألفاظ والإيحاء الحركي للنغمات.
ومن هذين المثالين يتضح أن الشعر لا يعجز عن التعبير الذي يستطيعه النثر، بل على العكس يفوق النثر؛ لأنه يستطيع بواسطة النغم أن يستخرج اللون العاطفي للفكرة، أو يوحي بالحركة التي لا توحي بها دلالة الألفاظ في ذاتها.
وهكذا نخلص إلى أن الشعر أداة صالحة لكل ضروب الأدب، بما فيها الأدب التمثيلي، ولكن «على الترجيع لا على التقطيع» كما قال بحق ابن عبد ربه نقلا عن الفلاسفة؛ أي على أن يترنم بهذا الشعر لا على أن يقرأ في صمت أو أن يلقى في حوار، وفي رأينا أن هذا الترنيم يبلغ مداه وتتحقق وظائف النغم وقدرته التعبيرية والتصويرية، إذا تغنى بهذا الشعر، وبخاصة إذا كان شعرا غنائيا بخصائصه الجمالية المعروفة، على نحو ما جاء شعر شوقي في أدبه المسرحي، وبذلك ننتهي إلى النتيجة التي سبق أن سقناها، وهي أن مسرح شوقي، وبخاصة مآسيه الشعرية ترتفع إلى القمة إذا لحنت وعرضت في دور التمثيل كأوبرا.
علي بك الكبير
سبق أن وضحنا كيف أن إقامة شوقي في فرنسا لفتت نظره إلى فنون من الأدب، لم يعرفها الأدب العربي، فأخذ يحاول تقليد تلك الفنون، وكان من أهم ما حاوله التأليف المسرحي، فكتب في سنة 1893 مسرحية سماها: «علي بك الكبير»، أو «فيما هي دولة المماليك»، وأرسلها إلى الخديوي الذي تلقاها فيما يبدو في فتور، ومن البديهي أن الخديوي كان ينتظر من ربيبه أحمد شوقي قصيدة مدح، لا قصة تمثيلية، وربما كان هذا مما صرف شوقي عن هذا الاتجاه، فلم يعد إليه إلا في أخريات حياته بعد أن تحرر بعض الشيء من سيطرة السراي، واقترب من الشعب، وتركز طموحه في المجد الأدبي، واشتد ضغط النقاد عليه، ومطالبتهم له بأن يخرج بشعره عن الدرب البالي المطروق، ويحاول التأليف المسرحي الذي ازدهر في كافة الآداب العالمية الحديثة، وعندئذ كتب «مصرع كليوباترة» ثم «مجنون ليلى» ثم «قمبيز»، وعاد إلى مسرحيته القديمة عن علي بك الكبير في سنة 1932، فأعاد كتابتها كلها من جديد، وغير من بعض حوادثها، ثم قدمها إلى اللجنة العليا لمؤتمر الموسيقى الشرقية، الذي عقد عندئذ في القاهرة تحت رعاية الملك فؤاد الأول، وذلك كما يقول في مقدمتها: «لكي تعرضها وما اشتملت عليه من القطع الغنائية والمواقف الملحنة على حضرات المؤتمرين ضمن ما يعرض عليهم من النماذج عن جهود مصر الحديثة في الفنون الثلاثة: التأليف القصصي، والتمثيل، والتلحين»، وقد أخرجتها بالفعل فرقة السيدة فاطمة رشدي على مسرح الكورسال، ولكنها لم تنل غير نجاح محدود.
لقد سبق أن عرضنا للخصائص العامة لمسرح شوقي، وهنا نحن نستعرض مسرحياته الواحدة بعد الأخرى ونبتدئ بمسرحية «علي بك الكبير»؛ لأنه كان قد عالج نفس الموضوع كما قلنا منذ سنة 1893، ثم عاد إليه بعد أن كتب ابتداء من سنة 1927 ثلاث مسرحيات أخرى.
وسبب بدئنا بهذه المسرحية هو رغبتنا في أن نقارن بين المسرحية القديمة، والمسرحية الجديدة؛ لنتبين تطور فن شوقي الشعري والدراماتيكي.
Halaman tidak diketahui