ما كانا يريدان أن يفعلاه حقا، وأرادا أن يفعلاه منذ أن كانا في حوالي العاشرة من عمرهما، هو أن يصبحا لاعبي أكروبات. كانا قد تدربا سنوات على ذلك وقدما عروضا في الحفلات التي كانت تنظمها المدرسة التكميلية. لم يكن بهذه المدرسة قاعة رياضية، لكن كانت هناك قضبان متوازية، وقضيب اتزان، وبسط في البدروم الخاص بها. في المزرعة، كانا يتدربان في الإسطبل، وعلى الحشائش في الطقس الجيد. ما مصدر دخل لاعبي الأكروبات؟ كان سام هو من بدأ في طرح هذا السؤال. لم يستطع تخيل نفسه هو وإدجار في سيرك. لم يكن لون بشرتهما داكنا بما يكفي، وكان ذلك أحد الأسباب. (كان يعتقد أن الأشخاص الذين يعملون في السيرك جميعهم من الغجر.) كان يعتقد أن ثمة لاعبي أكروبات يتجولون بمفردهم، يؤدون بعض العروض في المعارض، وفي قاعات الكنائس. تذكر رؤية بعض هؤلاء عندما كان أصغر سنا. من أين كانوا يأتون؟ كيف يكسبون عيشهم؟ كيف يعرف المرء طريقة الانضمام إليهم؟ أقلقت هذه الأسئلة سام أكثر فأكثر، ولم يبد قط أنها كانت تزعج إدجار.
في أوائل الخريف، بعد تناول العشاء، وبينما كان يوجد بعض الضوء أثناء الأمسيات، كانا يتدربان في الباحة الخالية في الجانب الآخر من الشارع الموجود فيه نزل كرناجان، حيث كانت الأرض مستوية تماما. كان كل منهما يرتدي فانلة داخلية وبنطالا صوفيا. كانا يبدآن أولا ببعض التدريبات لزيادة مرونة الجسم مثل الشقلبة الجانبية، والوقوف على اليدين، والوقوف على الرأس، والشقلبة والشقلبة المزدوجة في الهواء، ثم كانا يلتحمان معا بجسديهما. كانا يشكلان جسديهما في صورة علامات - حروف هيروغليفية - مقللين إلى درجة مذهلة الحدود الفاصلة بين الجسدين، ومخفيين بروز رأسيهما وكتفيهما. في بعض الأحيان، بالطبع، كانت هذه التشكيلات تتفكك، كل شيء ينهار، الأذرع والأرجل تتحرر، وكان الجسدان المتشابكان يعاودان الانفصال؛ فقط جسدي صبيين، أحدهما طويل وخفيف، والآخر أقصر وأكثر امتلاء. ثم كانا يبدآن مرة أخرى في الالتحام. كان الجسدان المتوازنان يتأرجحان. ربما يختل توازنهما، ربما يظلان متوازنين. كان الأمر كله يعتمد على ما إذا كانا يستطيعان الالتزام بذلك الخط غير المرئي الذي كان يصل بين جسديهما، محققين التوازن العجيب. نعم. لا. نعم. مرة أخرى.
كان لديهما جمهور من المقيمين في النزل الذين كانوا يشاهدونهما وهم جالسون في الشرفة الخارجية. لم تكن أليس بيل تهتم بالأمر. فإذا لم تخرج مع خطيبها، كانت تمكث في غرفتها تعتني بملابسها وبنفسها؛ تطلي أظافرها، تصفف شعرها أو تفرده، تهذب شعر حاجبيها، تغسل ستراتها وجواربها الحريرية، وتنظف أحذيتها. كان آدم ديلاهانت مشغولا دائما أيضا؛ كانت لديه اجتماعات في جمعية الاعتدال في تناول المشروبات الكحولية ومنظمة جدعون، وكان يشرف على أنشطة اجتماعية في مدرسة الأحد التي كان يدرس فيها. لكنه كان يجلس لبعض الوقت ويشاهد الصبيين مع السيدة كروز، والآنسة فيرن، والآنسة كرناجان. كانت السيدة كروز لا تزال تتمتع ببصر جيد وكانت تحب العرض. كانت تضرب بعصاها على أرضية الشرفة وصاحت قائلة: «نل منه، أيها الصبي! نل منه!» كما لو كانت هذه العروض مباريات مصارعة.
أخبر السيد ديلاهانت سام وإدجار عن الدرس الذي يلقيه في مدرسة الأحد، والذي كان يتناول الفضيلة، والقوة، والنصر. قال لهما إنهما إذا انضما إلى المدرسة، فسيستطيعان استخدام قاعة الكنيسة المتحدة الرياضية. لكن الصبيين كانا ينتميان لكنيسة كولد ووتر المعمدانية في موطنهما؛ لذا لم يرغبا في الانضمام للمدرسة.
حين كانت كالي تشاهد العرض، كانت تفعل ذلك من وراء النوافذ. كان لديها دوما عمل تؤديه.
قالت الآنسة كرناجان إن التدريب الكثير من شأنه أن يزيد من شهية الصبيين على نحو هائل. •••
عندما كان سام يتذكر نفسه هو وإدجار أثناء تدربهما في تلك الباحة الخالية - التي أصبحت الآن جزءا من باحة انتظار شركة كنديان تاير - كان يبدو دوما جالسا في الشرفة الخارجية، أيضا، ناظرا إلى الصبيين وهما يحاولان، ويسقطان، ثم ينهضان على الحشائش - يرتفع أحدهما فوق الآخر ببطء، محافظا على توازنه بيديه في انتصار - ثم ينفصلان في ابتهاج بحركة شقلبة رائعة. تنطوي هذه الذكريات على ظلال بنية كئيبة خاصة. ربما بسبب ورق الحائط في نزل كرناجان. كانت الأشجار التي تصطف على الطريق في ذلك الوقت أشجار دردار، وكان لون أوراقها في الخريف ذهبيا ذا نقاط بنية. كانت الأوراق تتخذ شكل شعلة شمعة. سقطت هذه الأوراق في ذهنه في أمسية هادئة، كانت السماء فيها صافية، لكن كان منظر الغروب محجوبا، والريف ضبابيا. كانت البلدة، في ظل الأوراق ودخان الأوراق المحترقة، غامضة وعصية، عالما قائما بذاته، بأبراج الكنائس، وصافرات المصانع، ومنازل الأثرياء، وصفوف المنازل المتشابهة المتلاصقة، والشبكات، والشعارات، والمصالح الشخصية. كان قد جرى تحذيره؛ إذ قيل له إن أهل البلدة مقززون. لم يكن هذا يمثل إلا نصف الحقيقة.
زادت التدريبات من شهية الصبيين جرازير، لكن شهيتهما كانت هائلة على أي حال. كانا معتادين على تناول الطعام بكميات كبيرة في بيتهما، ولم يتصورا قط أن هناك من يمكن أن يعيش على حصص الطعام مثل تلك التي كانت تقدم في النزل. رأيا في دهشة أن الآنسة فيرن كانت تترك نصف الكمية القليلة التي كانت تقدم لها في طبقها، وأن أليس بيل كانت ترفض تناول البطاطس والخبز ولحم الخنزير والكاكاو؛ باعتبارها أشياء تهدد رشاقتها، واللفت والكرنب والفول؛ باعتبارها تمثل تهديدا لعملية الهضم لديها، وأي شيء يحتوي على زبيب؛ لأنها كانت لا تحبه. لم يستطيعا التوصل إلى أي طريقة للحصول على ما ترفضه أليس بيل أو ما تتركه الآنسة فيرن في طبقها، على الرغم من أن هذا كان سيكون بالتأكيد أمرا عادلا.
في العاشرة والنصف مساء، كانت الآنسة كرناجان تقدم ما كانت تسميه «وجبة المساء». كان هذا طبقا مكونا من شرائح خبز، وبعض الزبد والمربى، وبعض الكاكاو أو الشاي. لم تكن القهوة تقدم في ذلك النزل. قالت الآنسة كرناجان إن هذه الوجبة أمريكية وتؤدي إلى تآكل المريء. كان الزبد يقطع سلفا إلى قطع صغيرة، وكان طبق المربى يوضع في منتصف المائدة، بحيث لا يمكن أن يصل إليه أي شخص بسهولة. أشارت الآنسة كرناجان إلى أن الأشياء المسكرة تفسد مذاق الخبز والزبد. استسلم النزلاء الآخرون إلى وجهة نظرها انطلاقا من التعود، لكن سام وإدجار التهما طبق المربى التهاما. وسرعان ما تناقصت كمية المربى إلى ملعقتين منفصلتين. كان الكاكاو مصنوعا من الماء، مع إضافة القليل من اللبن منزوع الدسم؛ لزيادة قوامه ولدعم زعم الآنسة كرناجان أنه صنع من اللبن بالكامل.
لم يكن يعارضها أحد. لم تكن الآنسة كرناجان تكذب لخداع الناس بل لردعهم. إذا قال أحد النزلاء: «كان الجو باردا قليلا في الدور العلوي الليلة الماضية»، كانت الآنسة كرناجان ترد على الفور قائلة: «لا أستطيع فهم ذلك. توجد نار تدفئة كبيرة مشتعلة. كانت الأنابيب ساخنة جدا بحيث لا يستطيع أحد أن يضع يده عليها.» حقيقة الأمر أنها تركت النيران تهدأ أو تنطفئ تماما. كان النزيل يعرف هذا أو يشك بقوة في حدوثه، لكن ما جدوى شك النزيل في مقابل كذبة الآنسة كرناجان الحازمة، الحادة؟ كانت السيدة كروز في تلك الحالات تعتذر، وكانت الآنسة فيرن تتمتم ببعض الأشياء حول التهاب جلدها بسبب البرد، وكان السيد ديلاهانت وأليس بيل ينظران في عبوس لكن دون أن يجادلا.
Halaman tidak diketahui