تقول المضيفة إن ثمة مكانا واسعا في الخزائن العلوية.
لا. زمجرات منخفضة الصوت من الرجل، اعتذارات في صورة همهمات من المرأة. يفهمان المضيفة أنهما يرغبان في مراقبة جميع متعلقاتهما. وبعد أن تتحرك عربة المشروبات، يمكن أن يجدا مكانا يمكن وضع الأشياء فيه؛ أمام ماري جو، وخلف المقعد الصغير القابل للطي الذي تجلس عليه المضيفات عند إقلاع الطائرة وهبوطها.
تقول المضيفة إنها تأمل في ألا يزعج ذلك ماري جو. يشير صوتها الصافي إلى وقوع قدر من الصعوبة في التعامل مع هذين الراكبين. ترد ماري جو أنها غير منزعجة، وأن الأمر سيكون على ما يرام. يجلس الزوجان، الرجل في المقعد المجاور للممر. يطلق زمجرة أخرى، آمرة لكن ليست فظة، وتأتي المضيفة بكأسي ويسكي. يرفع كأسه قليلا، في اتجاه ماري جو. إشارة رقيقة ربما كانت تعني شكرا. ليس هذا اعتذارا بالتأكيد.
هو رجل بدين، ربما أكبر في السن من دكتور ستريتر ، لكنه خفيف الظل أكثر. رجل قليل الحذر، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ذو شعر رمادي طويل نسبيا، ويرتدي ملابس جديدة، غالية الثمن. يرتدي صندلا فوق جوربين بنيين، وبنطالا بلون الصدأ، وقميصا أزرق زاهيا، وسترة جلدية ذهبية أنيقة ذات ألسنة، وطيات، وجيوب صغيرة كثيرة. لون بشرته بني، وعيناه ضيقتان قليلا. ليس يابانيا أو صينيا؛ من هو إذن؟ يراود ماري جو شعور بأنها رأته من قبل. ليس كمريض، لم تره في المكتب. لكن أين؟
تنظر المرأة من وراء كتفه، مبتسمة ابتسامة مزمومة الشفاه، مما يغضن وجهها العريض على نحو سار. عيناها أكثر ضيقا من عينيه، ولون بشرتها أكثر شحوبا. شعرها الأسود مفروق في المنتصف، ومعقوص باستخدام رباط مرن في صورة ذيل حصان طفولي. ملابسها رخيصة، ومهندمة، وربما جديدة - بنطال فضفاض بني، وبلوزة عليها زهور - لكنها لا تجاري ملابسه. عندما جاءت عبر الممر حاملة حقائب التسوق، كانت تبدو في منتصف العمر، ممتلئة عند الوسط، وكتفاها محنيتان. أما الآن، وهي تبتسم إلى ماري جو خلف الكتف الضخمة للرجل، فتبدو صغيرة جدا. ثمة شيء غريب بشأن الابتسامة نفسها. تتضح طبيعة الابتسامة عندما تفتح فمها وتقول شيئا للرجل. لا توجد أسنان أمامية عندها، في الجانب العلوي كله. هذا هو ما يمنح الابتسامة هذا المظهر المتحفظ والبريء في آن واحد؛ نظرة فرح ماكر، دائم مثلما تبتسم امرأة عجوز، أو طفل رضيع.
تعتقد ماري جو الآن أنها عرفت أين رأت هذا الرجل من قبل. قبل أسابيع قليلة، كانت تشاهد برنامجا تليفزيونيا حول قبيلة كانت تعيش في أحد الوديان المرتفعة في أفغانستان، قرب حدود التبت. كان قد جرى تصوير الفيلم قبل سنوات قليلة، قبل أن يأتي الروس. كان أفراد القبيلة يعيشون في منازل مصنوعة من الجلد، وكانت ثروتهم تتمثل في قطعان من الأغنام، والماعز، والخيول الأصيلة. بدا أن أحد الرجال احتكر معظم هذه الثروة، وصار حاكم القبيلة، لا من خلال الحق الوراثي لكن من خلال قوة الشخصية وسطوة المال. كان يسمى «الخان». كانت لديه بسط جميلة في منزله المصنوع من الجلد، وراديو ، وعدة زوجات وجوار.
هذا هو ما يذكرها الرجل به؛ الخان. أوليس من الممكن، أليس من الممكن حقيقة، أن يكون هو ذلك الرجل؟ ربما رحل عن بلاده، تركها قبل أن يأتي الروس، مصطحبا معه بسطه ونساءه وربما كمية من الذهب، وإن لم يحمل معه على الأرجح معزاته، وأغنامه، وجياده. إذا كان المرء يسافر عبر العالم على متن طائرات شركات طيران كبيرة، أفلا يمكن أن يرى المرء شخصا، عاجلا أو آجلا، رآه في التليفزيون؟ ربما يكون حاكم أحد البلاد القصية، مثلما قد يكون مقدم أحد البرامج، أو سياسيا، أو معالجا روحيا. في أيام التحولات الهائلة هذه، ربما يكون شخصا جرى تصويره باعتباره شيئا مثيرا للاهتمام، بل تحفة قديمة، في دولة منعزلة، ثم جرى إطلاق سراحه مثل الجميع.
لا بد أن المرأة إحدى زوجاته، الزوجة الصغرى، ربما المحظية، حتى يجري اصطحابها في رحلة كهذه. كان قد اصطحبها إلى كندا أو الولايات المتحدة، حيث ألحق أبناءه بمدارس هناك. كان قد اصطحبها إلى طبيب أسنان حتى يصنع لها طقم أسنان صناعية. ربما تضع طقم الأسنان الصناعية في حقيبة يدها، لا تزال غير معتادة عليه، لا تضعه طوال الوقت.
تشعر ماري جو بابتهاج بسبب ما صنعه خيالها، وربما أيضا بسبب الفودكا. في رأسها، تبدأ في كتابة خطاب تصف فيه هذين الشخصين، وتذكر البرنامج التليفزيوني. بالطبع الخطاب موجه إلى دكتور ستريتر، الذي كان يجلس على المقعد إلى جانبها - لكنه كان قد خلد إلى النوم - بينما كانت هي تشاهد ذلك. تذكر أسنان المرأة وتشير إلى إمكانية أن تكون قد أزيلت عن عمد، للتوافق مع فكرة غريبة ما تتعلق بتحسين مظهر المرأة. «إذا طلب مني أن أنضم إلى حريمه، أعد أنني لن أوافق على أي من هذه الإجراءات العجيبة!»
يجري خفض شاشة عرض الأفلام. تطفئ ماري جو النور فوقها مذعنة. تفكر في طلب شراب آخر لكنها تقرر ألا تفعل. المشروبات الكحولية تكون أكثر تأثيرا في ظل هذا الارتفاع. تحاول أن تشاهد الفيلم، لكن ترى الصور ممدودة جدا من هذه الزاوية. يبدو الفيلم كئيبا وسخيفا. هناك جريمة قتل في أول دقيقتين في الفيلم؛ فتاة ذات شعر فضي رائع تجري مطاردتها عبر ممرات خالية وفيما يبدو يطلق عليها النار، بعد مقدمة الفيلم مباشرة. تفقد ماري جو في الحال الرغبة في مشاهدة الفيلم، وبعد فترة تنزع سماعاتها. عندما تفعل ذلك، تعي وجود مشادة ما عبر الممر.
Halaman tidak diketahui