وهو ما فعله سام وإدجار وكالي. جاءوا للحلبة عندما كانت مفتوحة للناس وكانت ممتلئة وصاخبة. كانت توجد بعض أشجار الكرز بالقرب من أحد أركان المبنى، وكان الشخص خفيف الوزن جدا يستطيع تسلق إحدى هذه الأشجار والقفز على السقف. ثم على هذا الشخص الخفيف جدا الجريء الرشيق، أن يزحف بسرعة على السقف، ثم ينسل عبر إحدى الفتحات ويقفز إلى المنصة في الأسفل، مخاطرا بالسقوط على الثلج في الأسفل، أو بكسر بعض عظامه، أو حتى بالموت. لكن الصبية كانوا يخاطرون بعمل ذلك طوال الوقت. من المنصة، كان المرء يستطيع النزول عبر سلم حائط، ثم السير بطول المقاعد، والانسلال فوق حائط الممر المصنوع لإلقاء الثلج في الخارج. ثم لم يكن الأمر يعدو سوى الربوض في الظل، وترقب اللحظة المناسبة، وفتح باب الثلج، ودخول الاثنين اللذين كانا منتظرين في الخارج: سام وإدجار، اللذين لم يضيعا وقتا في ارتداء حذاءيهما والتزلج على الجليد.
لماذا لم ينجح الآخرون في القيام بالأمر نفسه؟ ربما يسأل سام عن ذلك في تلك المناسبات، بعدها بسنوات وسنوات، التي كان يقرر فيها أن يحكي هذه القصة، وكان يقول إن آخرين ربما فعلوا ذلك، لكنه لم يكن يعرف عن هذا الأمر شيئا. ربما كان بمقدور العمال بالطبع فتح الباب لأي عدد من أصدقائهم، لكنهم لم يكونوا يميلون إلى عمل ذلك؛ حيث إنهم كانوا يحافظون بشدة على ما يتمتعون به من امتيازات. وكان عدد قليل من المتزلجين في الليل صغيري الحجم بما يكفي وخفيفي الوزن وسريعي الحركة وشجعانا بما يكفي بحيث يدخلون إلى الحلبة عبر السقف. ربما حاول الأطفال تجربة ذلك، لكنهم كانوا يتزلجون في أوقات ما بعد الظهيرة أيام السبت ولم تكن تتوفر لديهم ميزة الظلام. ولم لم يكن ممكنا ملاحظة كالي؟ حسنا، كانت سريعة جدا، ولم تكن قط غير منتبهة؛ كانت تنتظر الوقت المناسب. كانت ترتدي ملابس رثة، لا تتلاءم مع حجمها؛ بنطالا، وسترة قصيرة، وقبعة صوفية مسطحة. كان ثمة صبية دوما في المكان يرتدون ملابس رثة مهلهلة. وكانت البلدة كبيرة بما يكفي بحيث لم يكن من الممكن تحديد كل وجه على نحو دقيق فورا. كانت توجد مدرستان حكوميتان، وأي صبي يذهب إلى إحداهما إذا رآها سيظن أنها تذهب إلى المدرسة الأخرى.
سألت زوجة سام ذات مرة: «كيف أقنعتماها؟» كالي؛ ما الذي جعل كالي تهتم بالأمر إلى هذا الحد، على الرغم من أنها لم تمتلك قط حذاء تزلج؟
قال سام: «كانت حياة كالي كلها عملا ... لذا كان أي شيء ليس عملا، أمرا مثيرا بالنسبة إليها.» لكنه تساءل في نفسه: كيف «تمكنا» من إقناعها؟ لا بد أن ذلك كان بمنزلة تحد. كانت مصادقة كالي في البداية تشبه مصادقة كلب صغير غضوب، ومرتاب، ثم لاحقا كان الأمر يشبه مصادقة الفتاة التي بداخلها التي كانت تجعلها تبدو وكأنها تبلغ اثني عشر عاما. في البداية لم تكن لتتوقف عن العمل وتعيرهما انتباهها. أبديا إعجابهما بالصورة الموجودة في أعمال التطريز التي كانت تقوم بها، والمكونة من تلال خضراء، وبركة زرقاء مستديرة، ومركب شراعي كبير، لكنها ضمتها إلى صدرها معتقدة أنهما كانا يسخران منها. قال سام، قاصدا الإطراء، لكنها استشاطت غضبا: «هل تصنعين تلك الصور بنفسك؟»
قالت: «نرسل في طلبها ... من سينسيناتي.»
كانا مصرين. لم؟ لأنها كانت تعمل عملا شاقا، منفصلة دائما عما يجري حولها، غريبة الشكل، ضئيلة الحجم أكثر مما ينبغي، ومقارنة بها كانا ينتميان إلى الاتجاه السائد في الحياة، كانا محظوظين. كان باستطاعتهما أن يكونا شريرين أو عطوفين معها حسب ما يريدان، وكانا يريدان أن يكونا عطوفين. أيضا، كان الأمر بمنزلة تحد. كانت الدعابات ومواقف التحدي هي التي جعلتها تستسلم. كانا يقدمان لها قطعا صغيرة من الفحم ويغلفانها في أوراق شوكولاتة. كانت تضع أشواكا جافة تحت ملاءات سريريهما. أخبرتهما أنها لم ترفض تحديا قبل ذلك. كان هذا هو سر كالي؛ لا يوجد شيء لا يمكنها أن تفعله. لم تكن تشعر بالاضطهاد بسبب الأعمال الشاقة التي كانت مكلفة بها، فقد كانت تفخر بذلك. ذات ليلة، عندما كان سام يجري بعض العمليات المحاسبية على مائدة غرفة الطعام، ألقت بكراسة مدرسية تحت أنفه. «ما هذا يا كالي؟» «لا أعرف!»
كان كراسة قصاصات، وكان ملصقا بها بعض الأخبار المنشورة في الصحف عنها. كانت الصحيفة قد دعت الناس إلى المشاركة في بعض المسابقات. من يستطيع صنع أكبر عدد ممكن من العرى في ثماني ساعات؟ من يستطيع تعليب أكبر كمية ممكنة من التوت الأحمر في يوم واحد؟ من يستطيع تطريز عدد مذهل من مفارش الأسرة، وأغطية ومفارش المائدة، والبسط الطويلة؟ كالي، كالي، كالي، كالي كرناجان، مرة بعد أخرى. في تقديرها، لم تكن خادمة كادحة، وإنما شخصا معجزة يشفق على حياة الآخرين التي تتسم بالكسل.
كان بإمكانهم الذهاب للتزلج فقط في ليالي الاثنين؛ حيث كانت الآنسة كرناجان تذهب للعب لعبة البنجو في ليجون هول. كانت كالي تترك ملابس الصبية التي كانت ترتديها في سقيفة الحطب. كان مصدر هذه الملابس حقيبة تحتوي على أشياء قديمة تتعلق بالسيدة كروز، التي كانت قد جلبتها معها من منزلها القديم، عازمة على صنع ألحفة منها، لكنها لم تجد وقتا لعمل ذلك قط. كانت الحقيبة مصدر كل الملابس، باستثناء القبعة التي كان يمتلكها آدم ديلاهانت، ووضعها ضمن رزمة من الأشياء وأعطاها لكالي لإعطائها لجمعية المبشرين، لكن الآنسة كرناجان أمرت كالي بأن تضعها في القبو، في صندوق.
كانت كالي تستطيع الانسلال من حلبة التزلج بمجرد انتهاء مهمتها؛ كان بإمكانها أن تخرج من المدخل الرئيسي ولم يكن أحد ليضايقها. لكنها لم تفعل ذلك. تسلقت فوق قمة المقاعد، سارت عليها مختبرة مدى اهتزاز الألواح تحتها، تسلقت جزءا من أحد السلالم، وتأرجحت على يد واحدة، وقدم واحدة، متعلقة فوق الفاصل وهي تشاهد المتزلجين. لم يتوقف إدجار وسام عن التزلج حتى انطفأ القمر وتوقفت الموسيقى وأضاءت الأنوار الأخرى. في بعض الأحيان كان يسابق أحدهما الآخر، مندفعين جيئة وذهابا بين أزواج يتزلجون في ثبات وصفوف من الفتيات اللائي كن يحاولن الاتزان. في بعض الأحيان، كانا يستعرضان مهاراتهما، متزلجين على الثلج مع بسط ذراعيهما. (كان إدجار أكثر موهبة في التزلج، على الرغم من أنه لم يكن عداء قويا؛ كان يستطيع أداء التزلج الاستعراضي، لو كان الصبية يقومون به وقتها.) لم يتزلجا مع الفتيات قط، ولم يرجع ذلك إلى أنهما كانا يتهيبان أن يطلبا ذلك منهن قدر ما كانا لا يرغبان في أن يتزلجا وفق هوى أحد. انتظرتهما كالي في الخارج عندما انتهى التزلج، وساروا إلى المنزل معا، ثلاثة صبية. لم تتظاهر كالي بأي شيء لتظهر أنها صبي، بأن تطلق صافرة أو تقذف كرات ثلج. كانت تسير بسرعة واندفاع مثلما يسير الصبية، متأملة لكن مستقلة، مستعدة لجميع الاحتمالات؛ عراك أو مغامرة . كان شعرها الأسود الخشن، الكثيف مكوما تحت القبعة، وقد جعلت حجمه متناسبا مع حجم رأسها. دون الشعر حوله، بدا وجهها أقل شحوبا وتجهما؛ تلك النظرة المزدرية، الساخرة، الشرسة التي كانت ترتسم على وجهها في بعض الأحيان قد ذهبت وبدت أكثر وقارا ومعتزة بنفسها. كانا يناديانها كال.
دخلوا إلى المنزل من الجانب الخلفي. صعد الصبيان إلى أعلى وبدلت كالي ملابسها في سقيفة الحطب التي كان يغطيها الثلج. كان أمامها ما لا يزيد عن عشر دقائق لتحضير وجبة المساء ووضعها على المائدة. •••
Halaman tidak diketahui