Mashariq Anwar al-Aqul
مشارق أنوار العقول
Genre-genre
( قوله ثم عاب القبر الخ) عطف بثم المقتضية للتراخي، وذلك أنه لما استطرد في بيان الرزق وأخذ بالكلام عليه كان بين ذكر الموت وذكر عذاب القبر مهلة فناسب عطفه بثم، وذكر القبر تغليبا لما عليه العادة لأنه هو الغالب في أحوال الموتى، وإلا فكل ميت أراد الله تعذيبه فكذلك حكمة سواء قبر أو أكلته السباع أو حرق وذري في الريح، ولا يمنع منه تفرق الأجزاء، لأن الله على كل شيء قدير، وكذلك أيضا نعيم القبر واقتصاره على ذكر العذاب دون النعيم لكثرة التعبير به عن المقام.
(اعلم) إن العلماء اختلفوا في ثبوت عذاب القبر فذهب جابر بن زيد([1]) رضي الله عنه، والجمهور إلى ثبوته لما ورد من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك حتى قال في المعالم إنها متواترة معنى، فمن الآيات قوله تعالى ((النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب))([2]) ولقد تكلف ابن أبي نبهان وهو ممن ينكر عذاب القبر تأويل هذه الآية حتى خرج بها عن أسلوب النظم الشريف فقال: فيها تقديم وتأخير والأصل ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (ومنها) قوله تعالى ((سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم))([3]) فإنه ذكر يعذبون ثلاث مرات فالأول بإقامة الحدود، والثانية في القبر والثالثة بعد البعث كذا قيل (ومنها) قوله تعالى حكاية عن الكفار ((ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين))([4]) فذكروا أنهم أميتوا اثنتين كما إنهم أحيوا اثنتين.
Halaman 97