Mashariq Anwar al-Aqul
مشارق أنوار العقول
Genre-genre
لا يوصفن بخلاق القذى والوضر وقد تقدم أن المختار أن أسماءه تعالى توقيفية فلا يسمى بما لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة، وذهبت المعتزلة إلى أنه تعالى لا يرزق الحرام بناء على ما مر من أن الرزق عندهم هو ما يملك، وعلى قاعدتهم في التحسين والتقبيح والعقليين، وكل منهما قد مر جوابه ونزيدها هنا أن نقول يلزم هؤلاء القائلين أن يكون من عاش طول عمره بأكل الحرام غير مرزوق، وهو مصادم لقوله تعالى ((وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها))([23]) ولا قبح في أنه تعالى يرزق الحرام لأن الأشياء كلها ملك له فالحلال والحرام بالنسبة إليه سواء قال ابن أبي نبهان: إن هذه المسألة مما يسع جهلها أي ليست من مسائل الدين التي يجب اعتقادها وهي كذلك فإنها وإن صادمت ظاهر الكتاب فلا دليل قطعي بكفر المخالف فيها، لأن الظاهر والعموم ليس بدليل قطعي عندنا، وإنما جاء بطلان قولهم من قبل التأويل بلا دليل والتخصيص بلا مخصص.
(قوله إذ ليس في العالم شيء يصدر) إلى آخره هذا دليل لقوله والله كلا قدرا وحاصله أن الأشياء كلها إنما تصدر بإرادة الله وتقدير منه فلا فاعل على الحقيقة إلا هو، فلو قلنا إنه لم يرزق الحرام لآكله للزم أن يكون هناك رازق غيره يرزق الحرام وهو يرزق الحلال فقط، وإنما احتملنا للمعتزلة في هذه المسألة مع ظهور هذا اللزوم لا مكان أن يريدوا نفي النسبة إليه لفظا مع إقرارهم بأنه تقدير الله فيكون الخلاف لفظيا، لكن إذا رجعت إلى قواعدها رأيتهم ينفون نحو هذا عن الله تعالى معنا طلبا لتنزيهه عما لا يليق به في زعمهم، فالمسألة حينئذ دينية لأنها يلزم عليها إثبات رازق غيره تعالى لوجود أكل المحرم وسوقه إلى آكله وتقديره له، وهذه كلها أفعال لا تقوم إلا من فاعل والفاعل على الحقيقة هو الرب عز وجل ينفونها عنه فرجعت المسألة قدرية.
---------------------------------------------------------------------- -------
Halaman 92