Pemandangan Kerajaan

Idwar Ilyas d. 1341 AH
89

Pemandangan Kerajaan

مشاهد الممالك

Genre-genre

ومن ضواحي ميلان بلدة مونتزا، وهي على مسافة ساعة بالسكة الحديدية، واقعة في أخصب بقعة من بقاع الأرض في جهة يقل لها النظير بين الجهات المعروفة بجمالها واعتدال هوائها؛ ولهذا اتخذها والد الملك الحالي مصيفا له، وقد زاره في قصرها رصفاؤه الملوك والقياصرة في السنوات الأخيرة، ودبرت هنالك المهام الخطيرة، والبلدة كلها غياض غضيضة ورياض غناء ملئت بشهي الشجر ولذيذ الفاكهة، وفيها من شجر التوت وجداول الماء العذب وبهي الحدائق ما لا تشبع العين من التمتع بحسنه المنعش، وقد غرست أشجار الصفصاف والحور في طرفها وجهاتها على طرق هندسية، وهم يعتنون بأغراس العنب وكرومه؛ لأنك ترى عروق العنب وأثمارها ممتدة مدلاة من شجرة إلى شجرة على نسق يروق للناظرين، وقد كان لوجود قصر الملك هنا تأثير كبير، فإن سراة ميلان بنوا لهم قصورا ومنازل فخيمة، وبعضهم يقضون فصل الصيف في بحيرة كومو يبلغ طولها 30 ميلا، وتتصل بها بحيرة أخرى تدعى لوكو، بنيت على ضفافها القصور والمنازل والفنادق يؤمها سراة الميلانيين وغيرهم. وهذه البحيرات تضاهي بحيرات لوسرن وجنيف في سويسرا، وتمخر فيها الباخرات ما بين المدن القائمة على ضفافها، ويتخللها غابات وأشجار الكستناء والصنوبر، فهي من جنات الأرض المعدودة، والذي يقضي زمن الصيف في هذه الجهة من إيطاليا فإنه ينشرح صدره من المناظر الطبيعية على أشكالها، لا سيما وأن الفنادق فيها متقنة ورخيصة الأثمان، وقد عدت من مونتزا بعد أن متعت النظر بآيات جمالها، ورجعت إلى ميلان ثم برحت هذه المدينة قاصدا مدينة فنسيا.

فنسيا

هي البندقية المشهورة التي تفردت بعجيب موقعها وغريب وضعها حتى أطلق عليها الكتاب اسم سلطانة الأدرياتيك، وضربت بمحاسنها الأمثال وتعشق طلاب الأدب ذكرها وزيارتها من قدم، فنظموا عقود الشعر الرنان في مدحها ووصف غرائبها، واشتهر اللورد بيرون الإنكليزي وغيره بما نشروه من نفثات يراعهم عنها، ولا عجب؛ فإنها المدينة العجيبة التي بنيت فوق الماء بدل الأرض، والتي تقوم فيها الزوارق والقوارب مقام العربات والخيل، وتحل الترع محل الشوارع والبرك محل الميادين والرحبات ، فكل ما فيها خاص بها يميزها عن سواها، بنيت على 117 جزيرة تتكون منها أحياء المدينة، وتفصلها بعضها عن بعض 150 ترعة هي الشوارع العمومية بنوا فوقها 378 قنطرة، فسهل المرور من جانب إلى جانب، وأكثر هذه القناطر جميل المنظر، وأما الأحياء أو الجزر المتباعدة فلا بد للوصول إليها من ركوب هاتيك الزوارق المستدقة المعروفة عندهم باسم جوندولا، وهم يتقنون عملها، ويديرها رجل واحد أو رجلان يقعد أحدهما في مقدمة القارب والآخر في المؤخرة، وترى هذه الزوارق أينما سرت تنقل الناس في ترع البندقية، وهي تنثني وتتعرج بين الجدران والمنازل وتحت الفنادق والمخازن أو تنساب انسياب الأفعى فوق الماء المترقرق، وإذا تقابل منها عدة تخللت بعضها بعضا وانسلت هذه من هنا وهذه من هنا بلا صدام ولا فرقعة، فيحلو السير فيها لجماعة المتفرجين.

ولقد أتيت هذا البلد مرارا برا وبحرا، ومررت هذه المرة على بلدة دزنسو، وهي قريبة من سلفرينو التي حدثت فيها المعركة المشهورة بين جنود إيطاليا وجنود فرنسا من جهة، وجنود النمسا من جهة أخرى سنة 1859، وقد تقدم ذكرها، وكان من نتيجة انكسار النمسويين فيها أن دولتهم تنازلت عن إقليم البندقية لإيطاليا، وما زال القطار من هنالك يجتاز الأبعاد ويخترق المزارع والعمائر مدة عشر ساعات حتى دخلنا محطة البندقية وسرنا منها في زورق إلى باب الفندق.

وأهم ما يذكر عن فنسيا ساحة القديس مرقس يبلغ طولها 175 مترا وعرضها 83، وهي مثابة الهيئة الاجتماعية ينتابها خلق كثير في أواخر النهار، ويكثر الازدحام في الليل حتى يتعذر المسير مع اتساع تلك الساحة، وهم يخطرون في جنباتها لسمع ما تصدح به الموسيقى من الأنغام الطليانية الحماسية. ويحيط بهذه الساحة من ثلاث جهات أروقة بني تحتها حانات ومطاعم ومخازن تباع فيها الحلي والجواهر وكثير من مصنوعات فنسيا الزجاجية الملونة، وهذه حرفة قديمة العهد حفظ سرها للآن، وفوقها منازل كانت لنواب البلاد، وهم أصحاب المراكز الأولى في حكم البندقية، ولكن قسما منها آل بالإرث إلى أربابه وقسما خص بالملك يقيم فيه حين يأتي هذه المدينة، وفي الساحة المذكورة برج قديم بني سنة 1329 لأجراس الكنيسة صعدنا إلى أعلاه على طريق مبلط لا درج له، وهو في عرض مترين يدخل النور إليه من نوافذ وكوى صغيرة، ولما بلغنا القمة رأينا الجزر عشرات ولمنظرها تأثير في النفس، قيل إن نابوليون الأول صعد أعلى هذا البرج ممتطيا جواده، وفي طرف الساحة برج قديم لساعة فلكية، ومع أنها تخربت فما زال فيها أمر غريب، فإنه يظهر من خلف البناء عبد بيده مطرقة يضرب بها المواقيت، وفي الساحة أسراب الحمام يقال إنهم كانوا في أيام جمهورية البندقية يطلقونها من الكنيسة للساحة في أحد الشعانين ابتهاجا وفرحا، وكان لها مرتبات، وهي إلى الآن تأوي هذه الرواقات فإذا دقت الساعة موعد الظهر اجتمع الحمام لالتقاط الحبوب التي تنثر له في الساحة المذكورة.

وفي آخر الساحة من الشرق كنيسة مار مرقس قيل إن عظام هذا القديس نقلت من الإسكندرية ودفنت فيها سنة 828، وهي مبنية على شكل الكنائس الشرقية (البيزانتية) لها هيكل في داخلها بني في الشرق، وهي من أقدم الكنائس أنشئت في القرن التاسع وأدخل فيها نحو خمسمائة عمود ما بين كبير وصغير، وكلها من الرخام الشرقي فيها من أشغال الفسيفساء مثل ما في كنيسة آيا صوفيا في الآستانة، وتقدر مساحتها بخمسة وأربعين ألف قدم، وفيها من الأواني الذهبية كالصلبان والمراوح والمباخر القديمة شيء كثير يعد كنوزا يباهون بإظهارها للطالبين، ويوصل من هذه الكنيسة إلى دار الدوجات، وهي قديمة العهد أنشئت في القرن الثامن، ومن غرائب بنائها أنها قائمة على 107 أعمدة، منها 36 عمودا صفت الواحد بعد الآخر في الدور الأول، وفوقها هذا العدد في الدور الثاني، وذلك في طول واجهة القصر على مسافة 82 مترا، وهم لما تهدم منها شيء أعادوه إلى مثل حالته الأصلية، فدخلنا في قاعاتها الواحدة بعد الثانية، وهي كثيرة العدد والزخارف، أهمها القاعة التي كان الأمراء والدوجات يقابلون فيها سفراءهم ومندوبي الأجانب، وقد نقش على جدرانها وسقفها صور زيتية دينية تمثل حوادث الإنجيل والتوراة حتى إنك لتفهم منها ولادة المسيح وحياته وصلبه وارتفاعه ، أو قصة يوسف مع إخوته وإبراهيم وولده، وفيها أيضا صور تاريخية تمثل حياة الدوجات في كل أدوارهم، وقس على ذلك.

وأحسن أشكال النزهة في هذا البلد أن يدخل المرء زورقا من الزوارق المبنية على الطراز الحربي القديم؛ فإنها مستدقة طويلة، ورأسها ومؤخرها مرتفعان يسمونها جوندولا ولها مقاعد في الوسط مغطاة لوقاية الجالسين من الشمس والمطر، وهي تمخر في الترعة العمومية، فيرى المرء على الجانبين منازل وقصورا بنى بعضها الدوجات وبعضها بناه نواب المملكة، وقد فطن لها جماعة من الأميركان الموسرين فاشتروا بعضها واعتزلوا فيها الأشغال، حتى إن السر هنري لايارد السياسي والأثري الإنكليزي المشهور اشترى قصرا منها لم يزل لورثائه. ومن المتنزهات المعدودة في زمن الصيف أنه يجتمع مئات من هذه الجوندولات أو الزوارق في هذه الترعة ويحتشد الناس فيها أزواجا وأفرادا معهم آلات الطرب، أخصها النوع المعروف بالماندولين (القيثار) يغنون ويطربون، ويأتي بعض الناس لهذه الغاية من البلاد المجاورة في الليالي المقمرة، ونظرا إلى كثرة الجزر المتباعدة فهم عندهم بواخر صغيرة تمخر كل نصف ساعة بين البلد وهذه الجزر، منها جزيرة ليدو وهي جيدة التربة فيها حدائق غناء وأشجار غرست صفوفا على شاطئ البحر، وهناك حانات وملاه صيفية وترامواي توصل إلى الحمامات البحرية يجتمع فيها خلق كثير، فزيارة هذه الجزيرة يعدها الغريب من أجمل النزهات؛ لأنه يتأمل منها حسن موقع فنسيا خصوصا من جهة البحر، ويقال مثل هذا عن جزيرة ثانية تسمى موارنو فيها قسم بكير من معامل الزجاج الملون، وهم يعملون منه المرائي المعروفة ويحيطونها ببراويز من البلور ملونة بألوان مختلفة، وقد وقفنا أمام الصناع وهم يفعلون ذلك، ويظهرون الزجاج كالخيط أو كالشعر في طول متر وأكثر، ويصنعون من خيوط هذا الزجاج أدوات ومنسوجات كأنها صنعت من القطن، وأزرارا للقمصان أو دبابيس للبرانيط، كل ذلك وأنت واقف أمامهم تتفرج، هذا أهم ما يمكن أن يذكر عن فنسيا. ولتاريخها لذة وفائدة ما بعدهما لذة كما يعلم القارئون، وقد برحتها قاصدا مدينة فلورانس، والمسافة بينهما ثماني ساعات، فقام القطار يمر في ولاية توسكانا المشهورة، ووقف في عاصمتها بولونيا الواقعة في أهم مركز حربي؛ فلهذا وضعوا فيها لواء من الجيش يقيم في حصونها، وهي مبنية في منبسط من الأرض عند أسفل جبال الألب ويلتقي فيها عدة أنهر وهي أيضا مركز أسقفية، ومع أن سكانها لا يزيدون عن مائة وثمانين ألفا، فإن فيها 130 كنيسة، وهذه حالة أكثر مدن إيطاليا أو كلها في كثرة الكنائس.

فلورانس

لم تكن هذه المدينة شيئا يذكر قبل أن قام فيها رجل يدعى جيوفاني دي ميديسي، مؤسس الدولة التي حكمت هذه البلاد واشتهرت في أوروبا، وخلفه ابنه كوزيمو سنة 1434 الذي أدخل إصلاحات شتى، حتى إن الأهالي لقبوه بأبي الوطن، ثم خلفه ابنه بيترو سنة 1464 وتلاه سنة 1496 لورنسو الذي لقب بالعظيم؛ لأنه وجه الفكر إلى إنشاء المدارس وتعليم الفنون اللطيفة، وأهمها فن التصوير حتى صارت فلورانس على عهده المستودع العام لبيع الصور، ولها الفضل الأكبر على متاحف أوروبا، كما أن لمدارسها الفضل على اللغة الطليانية؛ لأنها أصلحت قواعد نطقها وكتابتها وما زال الفلورانسيون حتى يومنا هذا يحسنون التكلم باللغة الطليانية أكثر من بقية أهل إيطاليا.

أما فلورانس الحالية فاسمها عند الطليان «فلورانس الجميلة»، يشطرها نهر أرنو الصغير ويرى المتجول فيها جبال الألب العظيمة عن بعد تتقدمها تلال بهية على مقربة من المدينة، وهي الضواحي التي اشتهرت عنها، فيها قصور عظيمة للموسرين من الأهالي والأجانب ولا سيما الإنكليز؛ فإنهم يستوطنون هذه الضواحي بعد اعتزال الأشغال حتى إن الملكة فكتوريا قضت زمنا في أحد هذه القصور، وقد مهدوا في هذه التلال شوارع معوجة متعرجة طولها أربعة أميال وعرضها ستون مترا، يرى المتجول فيها بالعربة مناظر بديعة تتنوع في كل أوان من صفوف الأشجار وأشكال الحدائق، فيرى المدينة من دونه وهو سائر في هذه التلول. والمتنزه الآخر في طرف البلد يدعى كاشبني طوله بضعة كيلومترات وصفوف الشجر إلى جانبيه والماء يتدفق من بركه الكثيرة، ومنظر حدائقه الصغرى بديع، والموسيقى تصدح فيه كل يوم، فهو من أعظم متنزهات أوروبا عامة ويظنه بعضهم معادلا للشان إليزيه في باريز.

Halaman tidak diketahui