وقد زرت بين المشاهد العظيمة في مدينة باريس الزاهرة قصر آل بوربون الذي مر ذكره، وهو مجلس نواب الأمة الفرنسية الآن تلقى فيه الخطب السياسية العظيمة التي يرن ذكرها في الآفاق، وتدار هنالك حركة السياسة للجمهورية الفرنسية. ولهذا القصر الفخيم منظر غاية في الجمال؛ فإنه بني على ضفة السين وأمامه ساحة الكونكورد البديعة التي تقدم وصفها، وقد أنفق عليها آل بوربون ألوفا مؤلفة حتى إن البرنس كونده وحده من أمراء تلك العائلة أنفق على زخرف هذا القصر عشرين مليون فرنك. دخلنا هذا القصر العظيم ومعنا واحد من عماله، واجباته تنحصر في مقابلة الزائرين ومرافقة المتفرجين، ورأينا قاعة الاجتماع، وهي قائمة على عشرين عمودا فيها التماثيل المتقنة الصنع تمثل القوة والحربة والأمن ومنصة الرئيس ويليها منصة أخرى يقف عليها الأعضاء حين يقومون للخطابة، ومقاعد للأعضاء لكل منهم مقعد خاص به، ومنضدة صغيرة توضع فوقها المذكرات، وأماكن خصت بالزائرين وبأصحاب الجرائد وبالسفراء، وغير هذا مما يراه المسافر في كل مجلس لنواب الممالك المنظمة. وأكثر أصحاب الذوق والعلم الذين يزورون باريس يحضرون جلسة أو أكثر من جلسات هذا المجلس العظيم بدعوة أو إذن من أحد الأعضاء، حيث يتدفق سيل الفصاحة من فم الفطاحل في السياسة وأرباب الخطابة وقادة الأفكار. وعلى مقربة من هذا المجلس منزل أنيق لرئيسه، ودار رحيبة فيها الآن وزارة الخارجية، وكلها تطل على شارع عظيم يعرف باسم الإنفاليد، وهو اسم قصر عظيم الشهرة في باريس أنشأه لويس الرابع عشر ملك فرنسا للعجزة والمقعدين من جنوده، وجعله واسع الجوانب يضم خمسة آلاف من هؤلاء العاجزين، وفيه الآن معرض كبير القدر والقيمة للسلاح على أشكاله من قديم وحديث، ولا سيما الذي استعمل منه في الحروب الفرنسية، والذي غنمته جنود فرنسا في حروبها العديدة من المدافع والسيوف وغير هذا كثير، وفيه من هذا القبيل أيضا 1500 راية غنمتها جنود فرنسا في معارك نابوليون الأول، وهي كلها محفوظة في ذلك القصر الفخيم، وسلسلة من الحديد متينة طولها 180 مترا استعملها العثمانيون في نهر الدانوب عند حصار فيينا في سنة 1683. وهنالك خزانات تحوي من أشكال الملابس القديمة لملوك فرنسا وفرسانها وأسلحة أبطالها ما يملأ وصفه المجلدات. وأهم ما في دار العجزة هذه عظام نابوليون الأول بطل فرنسا المشهور وأكبر قواد الأرض طرا في العصور الحديثة، نقلت من جزيرة القديسة هيلانه، حيت توفي هذا الرجل الكبير وبنيت فوقها قبة عالية مذهبة جوانبها ترى من عدة أماكن في باريس، وعليها بلاطة حمراء كتبت فيها أشهر وقائع هذا البطل، والناس يقصدون سراي الإنفاليد من كل صوب لرؤية قبر نابوليون، قل أن يأتي باريس فرد من الناس ولا يرى هذا الأثر العظيم، وهو منظر يشعر الواقف أمامه بعظمة الأثر الموجود فيه ويذكر عبر الدهر وغير الزمان.
ومن ذلك القصر سرت إلى «شان ده مارس»، وهو متسع من الأرض اشتهر في الأعوام الأخيرة؛ لأن المعارض العمومية أقيمت فيه، ومعظم استعراضات الحامية الباريزية تتم في بعض جوانبه، هنالك كان نابوليون الأول يستعرض جنوده حتى إنهم أطلقوا عليه إلى حين اسم ميدان نابوليون، ولما صار لويس فيليب ملكا لفرنسا بعد سقوط نابوليون حلف يمين الأمانة للدستور هو والوزراء وقواد الجيش والأساطيل ونواب الأمة في ذلك الميدان أيضا، فجروا بذلك على خطة قدماء الفرنسيس الذين كانوا يجتمعون من بعد أيام كلوفيس في هذا الموضع لسن الشرائع وتقرير الأمور العظيمة، وقد حدث في الشان ده مارس كثير غير هذا من الحوادث التاريخية يضيق المقام عن سردها.
ولما كانت المعارض قد أقيمت في شان ده مارس هذا كما تقدم، فإن أثر المعرض الأخير باق فيه إلى الآن، وأجل ما يذكر من هذه الآثار برج إيفل المشهور الذي يعد الآن من غرائب الصناعة، وأجمل آثار التمدن الحالي بني سنة 1888 و1889 للمعرض العام - كما علمت - برأي مهندس مشهور اسمه جورج إيفل، نال من حكومة بلاده وسام اللجيون دونور حين نجز العمل ونصب علم فرنسا على قمة هذا البرج الشاهق، وقد جعلوا علوه 300 مترا وألف قدم، وهو أعلى بناء في الأرض، يليه في العلو كنيسة كولون، وهي لا تزيد عن 159 مترا، والهرم الكبير وعلوه الآن 146 مترا وأكثره من الحديد، فإذا وزن حديده لم يقل ثقله عن 7 ملايين كيلو، وفيه 25 مليونا من المسامير وهو يشغل من الأرض عند قاعدته 16700 متر مربع، وقد جعل ثلاث طبقات يصعد إليها بدرج كثير أو بالآلة الرافعة، وهي المعول عليها عند الأكثرين، يمكن أن ينقل بواسطتها إلى الطبقة الأولى 2350 شخصا في الساعة، ومثلها للطبقة الثانية، و750 للطبقة الثالثة، ويمكن لعشرة آلاف نفس أن تجتمع في جوانب هذا البرج في آن واحد، ويستغرق الصعود والنزول بهذه الآلة 7 دقائق ما بين أسفل البرج وأعلاه، وفي رأسه نور كهربائي يظهر على بعد شاسع من جميع الجوانب، والرجل إذا وقف في الطبقة العليا منه رأى باريس وضواحيها تحت يده ولها منظر يسحر العقول. والبرج مبني على شكل هرمي، بمعنى أنه كثير الاتساع عند قاعدته ضيق عند رأسه، وفي كل طبقة من طبقاته غرف وقاعات واسعة للمطاعم والقهاوي التي يعد القعود فيها من أجمل أنواع النزهة. وهنالك أيضا محل للبريد ومخازن صغيرة تباع فيها الأشياء الجميلة تذكارا لزيارة البرج، وقد كانت جريدة الفيغارو المشهورة تطبع بعض أعدادها في الدور الأول من هذا البرج في سنة المعرض. وهو - بوجه الإجمال - من أجمل ما جادت به قرائح المهندسين، لا ريب أنه أكثر مشاهد هذا الزمان غرابة، وقد أقامته شركة نالت به امتيازا لمدة 21 سنة فجمعت نفقاته مدة المعرض، وكل إيراده في المدة الباقية ربح لها خالص؛ فإن عدد الذين صعدوا الطبقة الأولى منه في تلك المدة 1968287 والثانية 128323 والثالثة 579384، فمجموع ذلك أكثر من أربعة ملايين شخص في مدة ستة أشهر، وفي هذا من الإقبال العظيم ما لا يخفى.
وتجاه برج إيفل قصر بديع هو قصر تروكاديرو، سمي باسم قلعة في مدينة قادس ببلاد إسبانيا ملكها الفرنسويون سنة 1823، وقد بني هذا القصر لمعرض 1878 على شكل يقرب من المستدير ونسق شرقي فيه قاعة فسيحة يمكن أن يجتمع فيها ستة آلاف نفس، ولها قبة قطرها 58 مترا، ومتحف عظيم القيمة للحفر والنقش، جمعوا فيه من أبواب الكنائس والجوامع ومن أمثلة الحجارة المنقوشة ما يعسر عده، وقد نقلوا رسم أكثر النقوش المشهورة بالجص ووضعوا شكلها في هذا المتحف حتى إن زيارته تعد عند أهل النظر من أهم ما يجب على الزائر فعله في باريس. إلى هنا ينتهي بنا الكلام عن مشاهد باريس التي ترى في الطريق الذي اتبعناه، ولا يضيع معها الوقت، وقد اختصرنا في ذكرها كل الاختصار؛ نظرا إلى شهرتها الذائعة، وعدم افتقار الأكثرين إلى الإيضاح عنها؛ وعلى ذلك فنحن نتقدم الآن إلى وصف المشاهد الأخرى الكائنة في داخل المدينة.
وأحسن ما يكون للمتفرج على مشاهد باريس التي لم نذكرها بعد أن يبدأ من ميدان الأوبرا الكبرى؛ لأنها واقعة في مركز القسم الأهم من المدينة، وهي بناء فخيم عظيم اتفق الواصفون على أنه أحسن بناء للتمثيل والموسيقى في الأرض كلها، وأنه لو عدت الأبنية التي تؤثر في نفس الناظر إليها من خارجها وداخلها فوق تأثير الأبنية الأخرى لقال هي ثلاثة: الأوبرا في باريس والكنيسة المشهورة في ميلان وقصر المحاكم في بروكسل، وقد بنيت هذه الأوبرا الباريزية في وسط الشوارع الكبرى، وملتقى الدروب الشهيرة فهي نقطتها ومركز بهائها وعظمتها، بدءوا بها سنة 1867 فتم البناء سنة 1874، ولا حاجة إلى القول إن كل الذي يمثل بها من نوع الأوبرا المعروف، وهم ينتقون لها أكبر الممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات، ولها من الحكومة الفرنسية إعانة من المال سنوية، فهي تحت مراقبة الحكومة إلى حد معلوم، ويعسر على القلم أن يصف جمال هذا البناء العظيم وآيات حسنه الغريبة، ولكن الذي يعلو عن غيره فيها قدرا وقيمة قاعتها الوسطى؛ حيث يتم التمثيل، وهي كلها أعمدة مذهبة ونقوش دقيقة ومقاعد فاخرة وسقوف تلمع وجدران تسطع، وأشياء بلغت الغاية القصوى من الإتقان والجمال، في كل موضع يصعد إليها الصاعدون على سلم غريب الوضع، صنعت درجاته من المرمر الأبيض، وفوقها سياج بديع من الرخام الأحمر وجدران من الرخام الأسود والأخضر والأزرق، فإذا ما صعد الداخل هذه الذرى رأى من كل جانب أناسا يصعدون وينزلون في الفروع الباقية من هذا السلم العجيب حتى إنه ليظن نفسه في بلاد الجن لا يدري لها جانبا من جانب، ويزيده ذهولا فخامة ذلك الموقع المذهب رخامه الساطع زجاجه، وفيه نخبة الرجال والنساء بأفخر الحلل وأنفس الملابس وأثمن الجواهر، ترى في النور الكهربائي فوق ذلك السلم البديع على شكل من الجمال يفتن القلوب، فيتمنى المرء لو تقضى أيامه في مثل ذلك الموضع العجيب، والناس يخرجون من قاعة التمثيل بين الفصل والفصل للتمشي في رواق ما وصف مثله الواصفون، كله رخام صقيل وبلور نضيد وذهب وضاح وأطلس نفيس ونقوش بلغت حد الإعجاز في عرف أهل الصناعة، وهو طويل متسع المجال تتفتل فيه القدود في تلك الفترات وتتورد الخدود وتكثر النظرات وتتهادى ربات الدلال بعجيب الأزياء، وبينهن الآيات البينات فينسى المرء في ذلك الرواق ماضي الحادثات ويقول سلام لباريس وما فيها من عجائب الكائنات.
فإذا ما انتهى الزائر من التمتع بنعمة النظر إلى هذه الأوبرا داخلها وخارجها، فما عليه إلا السير في طريق فخيم تجاهها يعرف باسمها (أفنو ده لوبرا)، وهو من أهم شوارع باريس، فيه من المخازن العظيمة والأبنية الجميلة عدد كبير، وفي آخره القصر الملوكي بناه الكاردينال ريشيليو الذي ورد ذكره في الخلاصة التاريخية سنة 1636، وأهداه إلى الملك لويس الثالث عشر، وكان الملك فيليب يقضي أكثر أيامه فيه بالإسراف والتبذير حتى إنه لما كثرت حاجته إلى المال بنى في القسم الأرضي من هذا القصر مخازن ودكاكين أجرها للتجار حتى يستفيد من أجرتها، ولم تزل هذه المخازن في جانب من القصر الملوكي إلى الآن، وهي أو أكثرها لباعة الحلي والجواهر، وقد كان من أمر هذه الدكاكين أن الرجل كاميل دي مولين الذي جهر بالعصيان ونادى بالثورة العظيمة قبل غيره كان من أصحابها، اشتد به العوز وهو يرى من فوقه إسراف الملك وذويه؛ فتبعه جماهير الناس إلى الباستيل - وهي قلعة قديمة كان أصحاب الذنوب السياسية يسجنون فيها بلا محاكمة - واستولوا عليها بعد جهاد عنيف، وكان ذلك يوم 14 يوليو من سنة 1789 فعد ذلك النهار بدء سقوط الاستبداد وقيام الحرية، وهو عيد الجمهورية الفرنسية إلى هذا اليوم، وعبث أهل الثورة بجزء من هذا القصر الملوكي في أيام ثورتهم ثم رد إلى حاله على عهد نابوليون الأول، وفي أيام لويس فيليب عادت إليه أبهة الملك؛ لأن الرجل جعله مقره مثل من تقدمه من آل بوربون، ولما ثار الفرنسيس ثورتهم الثانية في سنة 1848 دخلوا هذا القصر مرة أخرى ودمروا بعضه، ثم أعيد إلى حاله وأقام فيه البرنس نابوليون ابن عم نابوليون الثالث إمبراطور فرنسا حتى إذا عاد الناس إلى الثورة بعد حرب 1870 دخل جماعة الكومون الثائرين هذا القصر وأحرقوا منه جانبا كبيرا، ومن ذلك الحين قلت أهميته.
وإذا سار المرء من هذا القصر توا إلى ناحية النهر وصل شارعا كبيرا من أهم شوارع باريس هو شارع ريفولي، أطلق عليه هذا الاسم تذكارا لمعركة ريفولي التي سحق فيها نابوليون الأول قوات النمسا في سنة 1797، بدءوا بناءه سنة 1802 على عهد نابوليون فما تم إلا في سنة 1865 على عهد ابن أخيه الذي صار إمبراطورا باسم نابوليون الثالث، وطوله الآن ثلاثة آلاف متر، كله قناطر بديعة الصنع من أحد الجانبين، وتحت القناطر طريق عريض للمارة ومخازن متنوعة الأشكال ومكاتب لأصحاب الأعمال الخطيرة، وإلى الجانب الآخر حدائق التولري، وغير هذا من مشاهد باريس المعروفة، وهنالك وزارة المالية وهي بناء واسع الجوانب كثير الأقسام، ومخازن اللوفر المشهورة يعرف اسمها كل من اشترى بضاعة فرنسية، وفيها جميع ما تطلبه النفس حتى إن عدد الموظفين من عمال هذه المخازن لقبض الأثمان من المشترين ثلاثون رجلا، ومن هذا يتضح أهمية هذه المخازن وجسامتها للقارئ الكريم.
ويقرب من هذه المناظر متحف اللوفر المشهور، يلزم لوصفه كتب ومجلدات ضخمة ولا يمكن رؤية كل ما فيه إلا بقضاء زمن طويل؛ لأن البناء واسع عظيم يضيع الخبير في جوانبه وله طبقات ثلاث، في كل منها ما يحير العقل من أنواع التحف والآثار والنقوش والرسوم، ولو أردت استقصاء النظر البسيط في بعض ما تقع عينك عليه لزم لك على الأقل أسبوعان، ولطالما أحس المتفرجون على هاتيك الرسوم البديعة بتعب في أعناقهم من كثرة التطلع إلى المشاهد التي لا عد لها في هذا المتحف، ولا يمكن لنا الكلام عنه هنا إلا بمثل هذا الإجمال؛ لأن الإسهاب يملأ كتبا برمتها ولكننا نكتفي بالقول إن هذا القصر العظيم كان في أوله مسكنا لملوك فرنسا بدءوا في بنائه سنة 1541 ووسعوه جيلا بعد جيل، وكان آخر ملك زاده حسنا الإمبراطور نابوليون الثالث؛ فإنه وصله بقصر التولري الذي أعده لسكنه حتى بلغت مساحة القصرين في عهده 195000 متر مربع، وخرب جزء من التولري في ثورة الكومون بعد انكسار الإمبراطور في الحرب ، فلم تهتم الحكومة الجمهورية لإصلاح القصر، ولكنها أبقت بعض محاسنه أثرا جليلا واهتمت للحديقة فجعلتها من متنزهات باريس المشهورة تنتابها العائلات في وقت الفراغ، ويضرب المثل بما فيها من الحسن والإتقان، وهي تمتد من عند القصر المذكور فشارع رفولي حتى ساحة الاتحاد، ولمنظر أزهارها وبركها تأثير في النفس شديد قلما يرى السائح نظيرا لها في قلب العواصم الكبرى، ولكن في الباريزيين من لم يدخلها؛ لأن المدينة ملأى بالملاهي ومجلبات السرور.
والقسم الأسفل من متحف اللوفر أكثره للآثار القديمة، وفيه القسم الشرقي بكل غرائبه وهو أقسام، منها ما هو للآثار المصرية، ومنها بعض للآثار الرومية أو الرومانية أو الفارسية أو الآشورية أو غيرها من الممالك القديمة يصل المتفرج من بعضها إلى بعض بطرق متعرجة تدله إليها كتابات رقمت فوقها. وهنالك التماثيل البديعة من صنع القدماء أجملها تماثيل آلهة اليونان من مثل منرف إلهة الجمال عندهم، وهو أجمل ما وجد إلى الآن من رسم هذه الآلهة وجد في جزيرة ميلو الرومية، واشترته حكومة فرنسا بستة آلاف فرنك من أحد الفلاحين، وفي هذا القسم ما يمثل تاريخ الرومانيين برسوم مشاهيرهم ومواقعهم، ويعيد إلى الذهن ذكر قوة الآشوريين وعظمة المصريين قبل أيامنا بآلاف من السنين بما يرى المتفرج من تماثيل ملوكهم وتحف صناعاتهم وجميل نقوشهم وثمين كتاباتهم على الحجر وأجسام كبرائهم المحنطة، وغير هذا شيء يدركه كل من دخل متحفا للآثار القديمة، ولا يقاس به متحف الجيزة المصري؛ لأنه قاصر على الآثار المصرية، وأما اللوفر وما كان على شكله من متاحف أوروبا فإن آثاره تشمل جميع الممالك المعروفة قديما وحديثا.
وفي الدور الأعلى قسم الرسوم البديعة، وهي تزيد عن ثلاثة آلاف رسم، بعضها تقدر قيمته بعشرين ألف جنيه أو ما يزيد عن هذا الثمن، وفي متحف اللوفر هذا صور شتى لمهرة المصورين الفرنسويين وغيرهم، بينها كثير لروفائيل المشهور، ومنها صور للمصور ميسونيه الفرنسوي الذي توفي من عهد قريب، ثمن الصورة الواحدة منها عشرة آلاف جنيه أو أكثر. ومن هذا يعلم مقدار ما في هذا المتحف من النفائس التي تقدر قيمتها بالملايين. من هذه الرسوم صورة يوم القيامة وصورة ابنة فرعون تنشل موسى من ضفة النيل وصورة كليوباترا ملكة مصر المشهورة، وصور دينية تمثل حوادث الإنجيل والتوراة أو ترسم خيالات المصورين على أشكال فائقة الجمال شديدة التأثير، هذا غير صور المعارك والحوادث التاريخية في البر والبحر، وهي كثيرة العدد وافرة الإتقان. وهنالك رواق عظيم القدر والقيمة اسمه رواق أبولون وضعت فيه نفائس التحف وغوالي الجواهر التي جمعها ملوك فرنسا القدماء، واستولت عليها الحكومة الجمهورية بعد سقوطهم فباعت مقدارا كبيرا منها في سنة 1887، وأبقت هذا البعض في متحف اللوفر أثرا من الآثار التاريخية الجميلة، وبينها حجارة ثمينة وحلي باهرة، وسيف لنابوليون الأول مرصع بحجارة من الألماس لا يقل ثمنها عن مليوني فرنك، وغير هذا شيء كثير.
Halaman tidak diketahui