160

Pemandangan Kerajaan

مشاهد الممالك

Genre-genre

ولما قضينا مدة الحجر الصحي - وهي ثلاثة أيام - قامت الباخرة في الثامن من الشهر المذكور إلى أزمير ، فبلغتها بساعة بعد أن رأينا في مرورنا طابية فيها المدافع، ثم سلسلة قرى مبنية على خليج أزمير، منها قرية كوردي ليون؛ أي قلب الأسد، اسم خليج أزمير سمي في الخارطة خليج الأسد. وفي كثير من هذه القرى في الضواحي مساكن أعدها الأزميريون لهم، يذهبون إليها ويعودون منها كل يوم إلى أشغالهم. وبعد أن رست الباخرة في ميناء أزمير نزلنا للتفرج عليها، وأهم ما يرى فيها الرصيف المبني على شاطئ البحر الذي يبلغ طوله بضعة كيلومترات، تجاوره منازل صغيرة نظيفة، وهذا الرصيف أكبر ملتقى للأزميريين، يتنزهون فيه بعد غروب الشمس أو يجلسون في القهوات أو في النادي الأهلي، حيث تناولنا الطعام. وللنادي فناء خارجي يشرف على البحر، وفيه قاعات للجرائد والألعاب المختلفة حسبما يعهد في الأندية. ومنه ذهبنا إلى كنيسة الروم الأرثوذكس، وهي قديمة العهد بنيت على النسق البيزانتي، ورأينا أن الأيقونسطاس والكراسي من خشب مدهون باللون الأسود كأنه اللك الصيني، ومحفورة فيه حفرا صور الملائكة والقديسين والقيامة. وفي ساحة الكنيسة قبة الجرس، وهي شاهقة ذات أعمدة رخامية مستدقة، وثلاثة أجراس كبار قدمت هدية من الغراندوق سرجيوس الروسي.

ومن الكنيسة خرجنا لنتجول في الأسواق، وهي مثل سوق الموسكي في مصر، ثم خرجنا إلى الضواحي، وهي جميلة. وعند عودتنا إلى الباخرة وقفنا في محطة سكة الحديد الموصلة إلى آيدين في داخلية الأناضول. ثم قامت الباخرة غروبا إلى متلين (مدلي)، فبلغتها بعد سير أربع ساعات، فنزل من الركاب من نزل وصعد من صعد، ثم سارت الباخرة إلى الآستانة. وفي الغد - أي 9 من الشهر المذكور - دخلت الدردنيل، حيث توجد الطوابي والاستحكامات الشاهانية التي اشتهر أمر منعتها، وكان الهواء لم يزل جميلا في بحر مرمرة حين ظهرت شطوط آسيا الصغرى على اليمين وشطوط «بروسة» على الشمال. وعند الساعة الثانية بعد الظهر لاحت لنا سان ستيفانو ويدي قولة، ثم دارت الباخرة نحو السراي القديمة، فكان أمامها غلطة وبيرا، وعلى شمالها استامبول، وعلى يمينها أسكودار وقاضي كوي. وأخيرا رست في الميناء، وفيه عدد كبير من البواخر فضلا عن البواخر التي تمخر في البوسفور ذاهبة إلى المدن المبنية على ضفته أو عائدة منها، فنزلنا إلى الآستانة ومررنا بكوبري غلطة، وفي آخره جامع سلطان والده، ثم جامع آيا صوفيا وجامع السلطان أحمد، وسبيل الإمبراطور غليوم بني تذكارا لزيارته الآستانة، وكتب على قبته الحرف الأول من اسمه، ومسلة مصرية قائمة على قاعدة فيها تماثيل رومانية، وتجاهها عمود الإمبراطور يوستنيانوس، والعمود المحروق والسر عسكرية، وسوق الآستانة - وقد وصفت ذلك كله بالتفصيل في سياحتي الأولى للآستانة - ثم عدنا إلى الباخرة بعد الغروب. والآن لا يسعني إلا أن أظهر دهشتي من منظر الآستانة في الليل كما يدهش كل سائح غريب، فما غابت شمس السماء حتى بزغت ألف شمس وشمس من الأنوار تسطع وتبهر الأبصار، وهي منتشرة في الجبال السبعة التي تتألف منها الآستانة، وذلك من شاطئ البوسفور إلى أعلى هذه الجبال، فإذا وجهت نظرك إلى الأمام ترى غلطة وبيرا كأنهما شعلة نار، وعلى الشمال استامبول وقرن الذهب، وعلى اليمين أسكودار وقاضي كوي.

وبالاختصار أقول إن منظر الآستانة الإجمالي في الليل قليل النظير في العالم جلالا وبهجة وجمالا. وفي الحادي عشر من الشهر المذكور قامت الباخرة من مرساها، ودخلت البوسفور مارة أمام القصور الشاهانية، مثل طولمه بغجه وجراغان ومحطات طرابيه وبيوكدره، حتى إذا اجتازت البوسفور دخلت البحر الأسود، حيث رأينا الطوابي وقد رفع في أعلاها العلم العثماني إكراما لوجود دولتلو محمود نديم باشا سفير الدولة في فيينا، وكان معنا في الباخرة عائدا إلى مركزه عن طريق بخارست، وهو يتكلم العربية الفصحى. والبحر الأسود هذا طوله 1187 كيلومترا وعرضه 613 كيلومترا، ومساحته 423972 كيلومترا مربعا، وهو مشهور في العمق؛ إذ يبلغ متوسطه 1100 متر، على أنه يبلغ عند القريم عمق 2616 مترا.

وبعد سير ثماني ساعات لاحت لنا شطوط بلغاريا، وبعد ساعة رست الباخرة في قسطنسة، وهي ثغر لرومانيا، فكانت مدة السفر من الإسكندرية إلى قسطنسة تسعة أيام، منها مدة الحجر الصحي، ولا بد قبل براح الباخرة من كلمة ثناء طيب عادل على مستخدميها؛ لما بذلوه من الجهد في سبيل راحة الركاب وحسن معاملتهم، وبعضهم من سكان مصر؛ فقد كان الطعام أحسن طعام تناولناه في بواخر الشركات الأخرى، وكان الخدم كثيرين مستعدين للقيام بواجباتهم عند أول إشارة، وأما عن نظافة الغرف فحدث ولا حرج، فضلا عن وجود مروحة كهربائية في كل غرفة، وفي الباخرة غرفتان كبيرتان أشبه بالقاعات، الأولى مفروشة أطلس أزرق والثانية أطلس أصفر، وفي كل منهما سرير نحاس مثلما يرى في أحسن البيوت، وبالباخرة كرسي ميكانيكي يدار بالكهرباء عكس دوران الباخرة وحركتها، يستعمله كل من يصيبه الدوار، وقد أوجدوا طريقة فيها راحة تامة للمسافرين، وهي أن جمرك رومانيا يندب من قبله معاونا يرافق المسافرين من الآستانة إلى ثغر رومانيا السالف الذكر، وهو يسأل الركاب هل عندكم شيء تؤخذ عليه رسوم؟ فإذا أجابوه سلبا تركهم وشأنهم ووضع ورقة على كل طرد. وبناء على ذلك لم ندخل الجمرك عند وصولنا إلى قسطنسة، بل ذهبنا توا إلى فندق كارول، وهو متسع قائم داخل حديقة تقدم فيه أطايب الأطعمة، ولا سيما السمك.

قسطنسة :

اسمها بالتركية قسطنجة، هي الآن ثغر من ثغور رومانيا كبير الأهمية واقع في إقليم دوبريجة، وكان هذا الإقليم قبلا تابعا لتركيا، وضم إلى رومانيا سنة 1888 بمقتضى معاهدة برلين المشهورة، كما تقدم ذكره في المقدمة التاريخية. وقسطنجة هذه كانت فيما مضى قرية، وأما الآن ففيها شوارع عريضة، بعضها مبلط بالأسفلت، وغيرها مرصوف غرست الأشجار إلى جانبيه. فمررنا من شارع رومانيا إلى أن وصلنا إلى ميدان أقيم في وسطه تمثال أوفيدو الشاعر، يجتمع فيه خلق كثير، حيث يخطرون ذهابا وإيابا أو يجلسون في القهوات، ومنه ذهبنا إلى شارع تريان - سمي باسم الملك الروماني تريانوس - وهو لا يقل حسنا عن الأول، بني فيه قصر لولي العهد، وإلى يمينه قصر آخر للبلدية، وإلى شماله بناية المجلس، وهي من الأبنية الجديدة، وكان معنا طبيب الباخرة فذهبنا معه إلى ضواحي البلدة، ومررنا ما بين أشجار الكرز والمشمش وكروم العنب حتى وصلنا إدارة التلغراف بلا سلك، فدخلناها بعد الاستئذان، وهناك رأينا سارية شاهقة العلو قائمة بقرب البحر تتدلى منها أسلاك تتصل ببطارية، ويتصل بالبطارية سلك يفضي إلى غرفة حاوية جهازا للتلغراف، يخرج منها شريط ورق فيه علامات الحروف التي تتركب منها كلمات التلغراف، وكان مدير المحل يرينا الضربات التي تنبه العمال لأخذ الإشارات. ثم ذهبنا لمشاهدة شحن زيت البترول، ولا يخفى أن رومانيا تعد الآن الثالثة بعد أميركا وروسيا في آبارها البترولية، تستخرج منها مقادير كبيرة من إقليم كاربات، وهو كل سنة بازدياد يصدرونه إلى مرسيليا وجهات أخرى للتجارة من ثغر قسطنسة. وقد رأينا في القطارات صهاريج مخصوصة لشحن هذا الصنف وتفريغه، وهم يفرغونه في حوض، ومن هذا الحوض تمتد القني إلى الباخرة الراسية بقرب الشاطئ.

من قسطنسة إلى بخارست:

وفي هذا اليوم ركبت القطار من قسطنسة إلى بخارست عاصمة رومانيا، والمسافة بينهما 6 ساعات وعدد المحطات 22 محطة، فقام القطار ينهب الأرض نهبا. وهي إلى هذه الجهة ما بين مرتفع ومنخفض مسافة ساعة تقريبا، وأما بعد ذلك فكانت الأراضي منبسطة سهلة مثل أراضي القطر المصري، سوى أن هذه تحدق بها الجبال يمينا وشمالا، وأن تلك لا تعوق مدى البصر بشيء؛ لأنها متصلة بأقاليم، واسعة وتزرع على المطر؛ إذ لا يركبها نهر الطونة لانخفاضه، ومن ثم لا يرى الرائي ترعا وجداول كما يرى في الديار المصرية. وقد لاحظت أن قسما من تلك الأراضي له لون أسود حالك كأنه محروق، وهو مخصب يغل كثيرا، فإن زراعة الذرة الشامية نامية فيه نحوا عظيما، وزراعة الشوفان أكثر من ذلك. وهناك مراع طبيعية ترعى فيها الثيران معظمها رمادية اللون، وأما السواد والحمرة فنادران فيها، ولها قرون كبيرة، وجاءوا بشيء منها إلى القطر المصري أيام موت البهائم، وما زال القطار يستقبل محطة ويودع أخرى، والمسافرون ينتظرون بفروغ صبر بلوغ الكبري العظيم (الجسر) الذي له شهرة مستطيرة في العالم، وقد بني فوق نهر الدانوب عند مدينة شيرنافودا، بناه مهندس روماني يدعى سالين، طوله 4000 متر؛ نظرا لوجود برك مياه على ضفة النهر، فهو أطول وأجمل كبري في العالم، وقد استغرق من النفقات 35 مليون فرنك حتى مر القطار فوق هذا الجسر، فتأملنا أولا في النهر فوجدناه كأنه في واد عميق بالنسبة إلى علو الجسر، وهو وإن كان جميعه مدهونا بدهان أبيض يظهر للناظر كقطعة من الحلي رونقا ورواء؛ وذلك لإحكام صنعته وحسن هندسته. وقد سار القطار مسافة طويلة والناس تتفرج عليه من عربات القطار الذي له شرفات كالقطارات بين القاهرة والإسكندرية. وفي النهر بعض بوارج مدفعية، فضلا عن وجود قوة عسكرية تخفر الجسر، ووقف القطار في إحدى المحطات 5 دقائق، فأتت بنات بأيديهن أقداح من ورق أبيض ثخين مملوءة حليبا ممزوجا بالدقيق وعصير الليمون؛ فاشتراها المسافرون، وبعد ما شربوها رموا الأقداح، وهو شراب مرطب مقبول في فصل الصيف. ورأينا في محطة المجيدية جامعا صغيرا، وكنا نرى في أثناء الطريق رجالا ونساء من الفلاحين بملابسهم الوطنية. وبعد 6 ساعات دخل القطار محطة بخارست عاصمة رومانيا، ومنها ذهبنا إلى فندق بولفار.

وقبل أن أتقدم لوصف عاصمة رومانيا، أكتب خلاصة تاريخية لهذه المملكة فأقول ...

رومانيا

Halaman tidak diketahui