Pemandangan Kerajaan

Idwar Ilyas d. 1341 AH
104

Pemandangan Kerajaan

مشاهد الممالك

Genre-genre

وقد أصبح أهل أوروبا وأميركا يتناقلون درجات الحرارة وأخبار الهواء ومجاريه في الأوقيانوس الأتلانتيكي، ويعلمون حقيقتها قبل أن تبلغ شطوط أرضهم بهذا التلغراف العجيب، حتى إذا ظهر لهم أن إعصارا أو عصفا كبيرا قادم عليهم استعدوا له ولم يخاطروا بالسفن في ساعة البلاء الكبير، وأهم من هذا أن السفن ترسل أخبارها إلى الشواطئ، وهي في عرض البحر على بعد ألف وخمسمائة ميل عن البر، فيدري الناس بأخبارها، وتعرف كل أخبار الناس وهي بعيدة عنهم هذا البعد، حتى إذا وقعت إحداها في مصاب أمكن لها أن تخابر أقرب الشواطئ بأمرها فتأتيها النجدة بدل أن تستسلم للقضاء وتغرق في البحار، ثم هم جعلوا الآن يطبعون جرائد تصدر في البواخر كل يوم مدة سيرها وتستقي أخبارها ساعة بعد ساعة على طريقة ماركوني من الشطوط، فلا يحسب المسافر نفسه منقطعا عن العالم وأهله مدة السفر؛ لأنه يعلم ما يريد بهذا الاختراع البديع. هذا وكثير غيره يراه المرء في المعارض موضحا من نشأته إلى آخر درجاته، ويدرك بالعيان ما يلزم لإدراكه في الكتب طويل الأعوام.

ولو شئنا أن نعد غرائب العصر الحديث التي مثلت في هذا المعرض لضاق دون عدها المقام؛ لأنهم طيروا الأصوات بتلفونهم وأنطقوا الجماد بفونوغرافهم، وولدوا غرائب الصناعة بهذه المجاري الكهربائية التي تعد أساس الاختراعات الأخيرة وقاعدتها، حتى إنهم بدءوا يستعيضون بها عن البخار ويستخدمونها لكل غاية من أمثال ما ذكرنا، ولا بد أن يكون شأنها عظيما في المستقبل القريب، ففائدة المعارض الجامعة في هذه الأبواب ظاهرة، ولكن الخبر ليس كالعيان، هذا غير أن المعارض تعد أندية لأهل القول ورجال العلم والعمل، ومجامع لكل فن ومطلب يختلف إليها زعماء الأفكار وينتابها المجدون العاملون على ترقية درجة الحضارة في الشرق والغرب، فيتبادلون الآراء ويتناقلون أخبار علومهم واكتشافهم، وينشرون آيات اختبارهم وفوائد بحثهم على العالمين.

ولقد كان من حظ العالم العربي أن معرض باريس الأخير انتابه اثنان من الكتاب المجيدين، ونشروا على الجمهور خلاصة ما رأوا فيه بألطف أسلوب وأجلى بيان، هما حضرة الفطن الذكي أحمد بك زكي اتفق مع صديقه حضرة الدكتور ألفريد عيد صاحب مجلة طبيب العائلة، وأرسل رسائل رنانة عن المعرض طبعه كتابا اسمه الدنيا في باريس، ووزع على قراء تلك المجلة بلا ثمن فكان تحفة، عدد صفحاته 272 مزينة بجميل الرسوم تستحق الذكر بين مفيد المطبوعات إلى آخر الزمان، وثانيهما حضرة العلامة المشهور الدكتور يعقوب صروف صاحب مجلة المقتطف الغراء؛ فإنه طبع في مجلته سلسلة مقالات بلغت غاية الأرب في متانة عبارتها وبديع تنسيقها وصدق معانيها، حتى إنه لم يكتب بلغة العرب أحسن منها في كثير من الفصول، هذان الكاتبان المجيدان سبقا كل سابق في كتابة المواد عن المعرض، حتى إني لما بدأت بتسطير هذا الفصل عولت في كثير من أجزائه على مقالاتهما وأصبح شكرهما واجبا بلا مراء.

ولقد عن لي أن ألقي دلوي في الدلاء فأزور هذا المعرض الأكبر، وأسجل ما يدور في خاطري عن بعض مشاهده وآياته، فاجتزت البحر إلى مرسيليا يوم 29 يونيو سنة 1900، وسرنا ذلك اليوم، فلما كان الغد ظهرت جزيرة كريت ودنت الباخرة منها، فكانت تسير على مقربة منها وهي إلى الجهة اليمنى حوالي 12 ساعة؛ لأنها جزيرة طويلة لا تقل عن 150 كيلومترا من طرف إلى طرف. ثم دخلت الباخرة البحر اليوناني أطلقوا عليه هذا الاسم لوقوع الجزيرة اليونانية فيه، وفي جملتها الجزر التي كانت لدولة الإنكليز ثم تنازلت عنها لحكومة اليونان في بدء حكم الملك جورج الحالي سنة 1864، وظهرت في اليوم الثالث جزيرة «سيسيليا» إلى جهة اليمين وجبال كلابرا إلى جهة الشمال، وكلاهما من الأملاك الطليانية، ثم بلغنا خليج مسينا، وهو مضيق من الماء تنحصر فيه الأمواج وتكثر أهوال السفر فيه بسبب الأنواء، وقد بنيت على شاطئه مدينة مسينا المعروفة بجمال منظرها وحسن موقعها، فكنا نرى شوارعها من الباخرة وأعمدة قناديلها نظرا إلى اقترابنا منها. وفي اليوم الرابع مررنا بجزيرة كورسكا على الجهة اليمنى، وهي الجزيرة التابعة لفرنسا، وقام منها نابوليون الكبير، ثم جزيرة سردينيا وهي تابعة لإيطاليا ، مررنا بها وهي إلى الجهة اليسرى وظللنا على هذا السفر المتوالي حتى بلغنا مدينة مرسيليا في اليوم الخامس من أيام السفر، وأقمنا 12 ساعة في القطار.

وأقمت في باريس شهرا كاملا أتردد يوما بعد يوم على معرضها العظيم، فرأيت أن الذي يريد العلم الصحيح بكل ما فيه يلزم له أن يقيم على ذلك مدة المعرض بأكملها وقد لا تكفيه، حتى إن أصحاب المعرض أنفسهم لا يعلمون - فيما أظن - كل ما يعرضون فيه من الأشكال، وتاريخ هذه المعارض يرجع إلى الأسواق التي كانوا يقيمونها في المدائن والقرى مدة العصور الغابرة، ولكنها لم تصر شيئا يستحق الذكر إلا في أواسط القرن الماضي حين أقام الإنكليز معرضا عاما سنة 1851 بناء على اقتراح البرنس ألبرت والد جلالة الملك إدورد الحالي، وقد بقيت أجزاء هذا المعرض وحفظ كثير من بقاياه في سدنام من ضواحي لندن واسمه قصر البلور، وهو من مشاهد لندن المعدودة إلى اليوم، ومساحة هذا المعرض 73150 مترا مربعا، زاره مدة وجوده ستة ملايين نفس، وعد ذلك يومئذ نجاحا كبيرا، ثم بدأت فرنسا بإقامة هذه المعارض فأنشأت أولها سنة 1855 بعد الانتهاء من حرب القرم المشهورة في ميدان شان ده مارس، وكانت مساحته 168000 متر مربع ومساحة قصره 32000 متر مربع، ثم عادت لندن في سنة 1862 وأقامت معرضا آخر في حي كنزنتون، وهو من مساكن الأكابر في عاصمة الإنكليز وقصره باق إلى الآن جعلوه معرضا للمنحوتات والنقوش القديمة والحديثة، ونقلوا إليه كثيرا مما كان في المتحف البريطاني المشهور. وفي سنة 1873 قامت دولة النمسا لمجاراة الرفيقات في هذا المضمار فأنشأت معرض فيينا، وتبعتها جمهورية أميركا ، ففتحت معرضها الأول سنة 1876 تذكارا لمرور مائة سنة على إعلان حريتها واستقلالها، وعلى أثر ذلك أصدرت حكومة فرنسا قرارا بإقامة معرض عام في عاصمتها كل عشر سنين؛ لأن جمال باريس الفتان واتساع ضواحيها وميادينها وتوسط مركزها وشهرتها بالمحاسن عامة تضمن إقبال الناس على معارضها - ولو كثرت - فأقامت معرضا سنة 1878 وبقي منه إلى الآن قصر ألترو كاديرو، وأقامت المعرض التالي سنة 1889 تذكارا لمرور مائة عام على سقوط الباستيل في يد الشعب الفرنسوي وسقوط الاستبداد ونشأة الحكومة الجمهورية في فرنسا، فكان معرضا عظيم الشأن، وكانت جمهورية الأميركان أبدا في تقدم كبير، فرأت بعد ذلك أن تبرز أدلة تقدمها الباهر للعالمين، وأقامت معرض شيكاغو سنة 1893 وجعلته أكبر ما تم من نوعه إلى ذلك الحين وانتهت بإقامة معرض سان لويس الأخير سنة 1904، فكان أوسع المعارض طرا في مساحة أرضه وزادت نفقاته عن عشرة ملايين جنيه.

وأما فرنسا فإنها عادت إلى العمل بقرارها السابق، وأرادت أن تخلد ذكر القرن التاسع عشر بتمثيل غرائبه، وجعلت المعرض في سنة 1900 آخر سني القرن المذكور، وهو موضوع كلامنا الآن.

أقيم هذا المعرض على ضفتي نهر السين في ساحة شان دي مارس، وبلغت مساحة أرضه مليون وثمانين ألف متر مربع، منها 460 ألفا شيدت عليها الصروح الفخيمة والمباني الفاخرة ونحو مائة ألف متر زرعت حدائق غناء وروضات فيحاء تشرح برؤيتها الصدور، وفي جملة ذلك زهاء أربعين ألف متر فرشت بالعشب النضير بساطا عديم المثال، ومثل هذا العشب السندسي كثير في جهات أوروبا ولونه كالزمرد البهي، وقد غرسوا 3000 شجرة في جوانب هذا المعرض وجعلوا بعضها حرجات في البهاء والرواء، وكان الرواء المزروع على أشكاله الكثيرة يشغل 3000 متر من الأرض وحده غير بقية الأشجار والأزهار، وجاءوا بنحو 28 ألف قصعة أو برميل نمت فيها الشجيرات والأعشاب والأزهار المتنوعة ورصوها في طرق المعرض، وهم يتعهدونها يوميا ويسقونها ما يعادل 300 ألف ليتر من الماء، وأقاموا كثيرا من الأنصاب والتماثيل صنعت من الرخام يتدفق الماء منها على أشكال تروق للناظرين، يكفي للعلم بمحاسن هذه الأشجار والرياحين والأزهار أنه أنفق عليها وحدها مبلغ 23 ألف جنيه.

معرض باريس العام.

وقد فتح للمعرض 45 بابا تتوارد جموع الناس منها كل يوم إلى أجزائه، وبنوا فوق نهر السين 25 جسرا أو قنطرة، لما أن المعرض كان على ضفتي النهر كما تقدم الكلام، فكان الجسر لا يبعد عن الجسر إلا مسافة 300 متر بوجه التقريب حتى لا يجد الناس عناء في الانتقال من جزء في المعرض إلى جزء، وكانوا يفتحون هذه الأبواب كل صباح لجماهير المنتظرين في الساعة 8 من الصباح، ويوصدونها في الساعة 11 من الليل، ولكن عمال المعرض وهم لا يقلون عن 200 رجل، كانوا يهبون للعمل قبل فتح أبوابه بساعتين على الأقل لكنس طرقه وجوانبه وإعادة رونقه ونظامه، ويلي ذلك توارد المكلفين بحفظ الأمن والنظام وهم 200 من الشرطة و600 من الحراس و300 من الفرسان و500 من الحرس الجمهوري و400 من المراقبين على الأبواب لتذاكر الدخول، فمجموع هؤلاء العمال 3000 وهم المعينون رسميا من الحكومة ولجنة المعرض للقيام بأعماله العمومية لا يدخل في عدادهم العمال الذين خصوا من داخل المعارض بخدمة أجزائه وهم يعدون بالألوف. وكان هؤلاء يدخلون بعد العمال الرسميين الذين ذكرناهم فيتواردون أفواجا من باب المطاعم والحوانيت وخدمة الحانات والمقاولين والمتعهدين والجزارين وباعة السمك والطير وعمال البريد والتلغراف والتلفون، ويليهم موظفو المعرض كل يذهب إلى محله، حتى إذا جاءت الساعة 8 والمراقبون على الأبواب فتحت للداخلين وبدأت حركة الأعمال، وقد كان عناؤهم بمسألة الانتقال شديدا حتى يسهلوا سبل الحركة والمسير على الزائرين، فما تركوا وسيلة حتى عمدوا إليها فأتوا بالشيء الكثير من العربات السيارة والترامواي الكهربائي والبخاري أو الذي تجره الخيل والدراجات والسيارات أو هي الأوتوموبيل على أشكاله، والباخرات تسير في نهر السين طول مدة العمل مملوءة بالزائرين، تأتي بهم من بعيد الجوانب، وكل عربة أو سفينة قادمة تنزل الركاب عند أقرب الأبواب إليها، فكان عدد الداخلين ما بين مائتي ألف وثلاثمائة ألف في اليوم، وزاد عن هذا المعدل كثيرا في أيام الآحاد والأعياد؛ لأنه دخله يوم عيد العنصرة نصف مليون زائر، وفي غد ذلك العيد نحو ذلك، وزاد عددهم في يوم الأحد 9 سبتمبر حتى بلغ ستمائة ألف نفس.

البوابة الأثرية الفخيمة.

Halaman tidak diketahui