وأكاد أقول إن الرجل العظيم تعذبه توتراته، ولكنه يجب مع ذلك أن يزيدها حتى يزداد بها غلوا وحدة، وكثيرا ما نجد أن اليقظة الذهنية في أحد الناس العاديين تحمله على أن ينكر على نفسه بعض الملذات التي اعتادها وكأنه يجد لذه أخرى في الحرمان أو العذاب، أي في التوترات.
وفي جميع الأديان نجد ألوانا من الحرمان تبعث المؤمن على أن يكف عن استهتاره ويجد في سلوكه وأخلاقه مثل الصوم، والمسيحي حين يغلو في إيمانه يرفض الزواج ويدخل الدير راهبا ولا يأكل اللحم غير شهرين في السنة.
وعلى قدر ما لنا من أهداف سامية نهتم لها ونتعب في تحقيقها تكون توتراتنا، بل تكون رغبتنا في زيادتها حتى نحس أننا بالحرمان نعلو على أنفسنا.
أما الرجل التفه، الرجل الأجوف، فلا يتوتر ولا يجد بل يسترخي ويتثاءب ويستهتر.
ولست أنسى هنا أن أقول إن التوترات قد تزيد حتى تصل إلى الجنون، جنون العبقرية.
الفصل الثامن والثلاثون
شم النسيم
نحتفل كل عام بعيد الربيع «شم النسيم» فنخرج إلى الحقول ونرى بشائر الزهر والثمر في العشب والشجر.
وقد تعودنا أن نزرع نباتات المحاصيل كالقطن والقمح والذرة فأفسدت هذه الزراعة تصورنا للطبيعة، وجعلت الأرض والشجر وخضرة الحقل وألوان الزهر مقدرة في اعتبارنا بحساب القرش والمليم والمكسب والخسارة، وانقطعت بذلك تلك اللذة التي كانت تربطنا بالطبيعة، وكدنا ننسى أن بيننا وبين الزهرة والشجرة من المعاني الفنية، كدت أقول الجنسية، ما يجب أن نثيره ونطرب به.
وإنها لنفس كامدة جامدة تلك التي لا ترى الأشعار في الأشجار، ولا تتعمق المعنى الجنسي في الزهرة والثمرة قد كان الإغريق يجعلون في النخلة رمزا لجمال الطبيعة، وهم على حق في هذا، وإني لأرى في شجرة البرتقال - وهي محملة بالثمر قد انحنت غصونها من ثقله - رمزا للأمومة، وهي تثير في نفسي الحنان والرقة حتى لأتورع من قطف ثمرة منها لأني أحس كأني بذلك أضرب امرأة حبلى.
Halaman tidak diketahui