6
فباسم المطالبة بدم عثمان أهدر دماء المسلمين، وباسم المطالبة بدم عثمان اندلعت نيران الفتنة فالتهمت جمهرة من أبطال المسلمين وقادة الرأي فيهم، وباسم المطالبة بدم عثمان ستر معاوية وابن العاص وأشياعهما أطماعهم وأغراضهم السياسية وألبوا الجموع الزاخرة على «علي بن أبي طالب». (3-2) الدسائس
لم يكتف معاوية وأشياعه بهذا السلاح وحده في محاربة «علي». بل عززوه بأسلحة أخرى أهمها سلاح الدس والإيقاع بين أنصار علي، ولم تكن الحرب بينهما - على الحقيقة - إلا سلسلة متصلة من الحلقات من دسائس معاوية وابن العاص، وحسب القارئ أن يعلم أن معاوية لم يترك وسيلة من وسائل الإيقاع والدس للوصول إلى إربته والنكاية بخصمه إلا سلكها بلا تردد.
ألا ترى إليه يحاول استمالة «قيس بن سعد» الذي ولاه «علي» على مصر، فإذا أخفق في سعيه ويئس من استمالته إليه لجأ إلى الدس، فأشاع في الشام أن والي مصر على اتفاق معه، ثم عمل دائبا على نشر هذه الإشاعة وتقويتها حتى يحسبها الناس حقا لا مراء فيه؛ فإذا بلغ عليا ذلك عزله وولى محمد بن بكر مكانه!
بل هو يحاول الإيقاع جهرة بين اثنين من ولد علي حين قطع أحدهما على الآخر قوله ليرد على معاوية، فأراد معاوية أن ينتهز هذه الفرصة للإيقاع بينهما فأخفق، ولا تنس حكاية المصاحف التي أوقعت الفرقة في صفوف أنصار «علي» وفرقتهم شيعا، وحكاية ابن العاص وأبي موسى الأشعري، التي زادت في الانقسام والتفرقة، فليست كل هذه إلا آثارا ناطقة شاهدة بما للقوم من دهاء ومكر وقدرة على استغلال الظروف والإيقاع بين الناس! (3-3) شدة علي
أما شدة علي فقد أشرنا إليها في كلمتنا السابقة ولا نراها في حاجة إلى الإسهاب فيها، فقد عرفت أن عليا كان لا يتسامح في الحق ولا يقبل فيه لومة لائم، وكان يحاسب على القطمير، وقد بدأ عمله بعزل كثير من الولاة قبل أن يستتب له الأمر، ونحب أن نضيف إلى ما أسلفناه مثلا واحدا نجتزئ به عن أمثلة كثيرة:
قال ابن أبي رافع - وكان خازنا لعلي على بيت المال: «دخل «علي» يوما، وقد زينت ابنته، فرأى عليها لؤلؤة من بيت المال كان قد عرفها، فقال: «من أين لها هذه؟ لله علي أن أقطع يدها!»
قال ابن أبي رافع: «فلما رأيت جده في ذلك، قلت: «أنا والله يا أمير المؤمنين زينت بها ابنة أخي، ومن أين كانت تقدر عليها، لو لم أعطها.» فسكت.»
فإذا أضفنا - إلى ذلك - اعتماده على نفسه وعدم استشارته سواه من أولي الرأي، مما أحقد عليه أمثال طلحة والزبير فنقضا بيعته وانضما إلى السيدة «عائشة» التي شبت أول نيران الفتنة في موقعه «الجمل»، وأضفنا إلى ذلك حذق معاوية في اكتساب قلوب الناس واجتذابهم إليه، وبغض السيدة عائشة - رضي الله عنها - لعلي بعدما أبداه من الرأي في حادثة الإفك من قبل، وذكرنا ما أبداه معاوية من المهارة السياسية في استرداد مصر وأخذ الحرمين واليمن أثناء انشغال علي بالخوارج، نقول: إذا ذكرنا هذه الأسباب سهل علينا أن نفهم سر هذه الفتنة الشعواء التي انتهت بقتل علي. وقد كانت - لولا عجائب القدر - منتهية بقتل معاوية وابن العاص أيضا، ولكنه القدر المحتوم والأجل الذي لا مفر منه قد انتهى ولا راد لقضاء الله، قالوا: اجتمع «ابن ملجم» و«البرك بن عبد الله» و«عمرو بن بكر التميمي» فتذاكروا أمر الناس، وعابوا على ولاتهم، ثم ذكروا أهل النهر، فترحموا عليهم، وقالوا: «ماذا نصنع بالبقاء بعدهم شيئا، إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم، والذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا، فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد وثأرنا بهم إخواننا.»
فقال ابن ملجم: «أنا أكفيكم علي بن أبي طالب.» وكان من أهل مصر، وقال البرك بن عبد الله: «أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان.» وقال عمرو بن بكر: «أنا أكفيكم عمرو بن العاص.»
Halaman tidak diketahui