وقد رأى الحجاج في هذه النصيحة فرصة سانحة، وانخدع بها محمد بن موسى وذهب لمحاربة شبيب وقد كتب إليه الحجاج: «إنك عامل كل بلد مررت به، وهذا شبيب في طريقك.»
قالوا: فلما التقى بشبيب أرسل إليه: «إنك امرؤ مخدوع قد التقى بك الحجاج وأنت جار لك حق، فانطلق لما أمرت به ولك الله لا آذيتك.»
ولكن محمد بن موسى أبى إلا محاربته، وزين له الغرور أن شبيبا إنما يتحامى لقاءه خشية من بأسه وقوته.
قالوا: فواقفه شبيب وأعاد إليه الرسول، فأبى إلا قتاله فدعا إلى البراز ، فبرز إليه «البطين» ثم «قضب» ثم «سويد» فأبى إلا شبيبا.
فقالوا لشبيب: «قد رغب عنا إليك.» فبرز إليه شبيب وقال له: «إني أنشدك الله في دمك فإن لك جوارا.» فأبى إلا قتاله.
فقال له: «إني قد علمت خداع الحجاج، وإنما اغترك ووقى بك نفسه، وكأني بأصحابك قد أسلموك فصرعت مصرع أصحابك، فأطعني فإني أنفس بك عن الموت.» فأبى محمد بن موسى إلا قتاله.
قالوا: «فحمل عليه شبيب، فضربه بعصا حديد فهشم بها رأسه، فسقط ثم كفنه وابتاع ما غنموه من عسكره فبعث به إلى أهله.» (2-7) بين شبيب وعبد الرحمن بن الأشعث
ولما رأى شبيب أنه لا يصيب لعبد الرحمن غرة، جعل يخرج حتى إذا دنا منه رحل عن مكانه ونزل في أرض غليظة جدبة، فيجيء عبد الرحمن فإذا بلغه ارتحل وهكذا، حتى أحفى دوابهم ولقوا منه كل بلاء.
هي رواية لا تكاد تتغير فصولها، ولا يكاد شبيب يغير تمثيل دوره فيها. تتألب عليه الجيوش بالغة ما بلغت من الكثرة فلا يقف أمامها وقفة حاسمة، ولكنه يتنقل من مكان إلى آخر مترقبا فرصة سانحة لمهاجمة تلك الجيوش الكبيرة أجزاء متفرقة بعد أن رأى من العبث مهاجمتها مجتمعة.
يبعث إليه الحجاج بجيوش - ملء السهل والجبل - فيطاولها شبيب ويبيتها الفينة بعد الفينة، فإن كان قائدها حذرا عاد شبيب من حيث أتى، وإلا هاجمها واشتبك معها في موقعة حاسمة تنتهي بهزيمة أعدائه ومحاربيه.
Halaman tidak diketahui